يستحق الدكتور مفيد شهاب تهنئة مزدوجة.. الأولي علي براءته من تهمة الكسب غير المشروع.. والثانية علي قراره باعتزال العمل السياسي والحزبي.. وتأكيده علي أنه أغلق نهائياً هذه الصفحة من حياته. قد أكدت التحقيقات التي أجريت مع د. مفيد شهاب .. والتي أجريت علي مدي 7 ساعات.. ان جميع ممتلكاته وثرواته من مصادر مشروعة .. بل إنه قدم للمحققين معلومات عن ممتلكات لم تتطرق إليها تحريات الرقابة الإدارية. يستحق جهاز الكسب غير المشروع التهنئة أيضاً.. فقد أثبت انه يعمل بضمير القاضي اليقظ.. وبنزاهة كاملة وتجرد تام عن الهودي. لقد بعث الجهاز برسالة إلي جميع المواطنين من خلال قضية د. مفيد شهاب يقول فيها: لا تخافوا من التحقيقات .. ليس كل من يأتي إلينا سيذهب مباشرة إلي طرة.. ولن يسجن إلا من تقف القرائن واضحة ضده .. وفي كل الحالات فإن المتهم بريء حتي تثبت إدانته بمحاكمة عادلة. يقول أيضاً: مصر بخير وستظل كذلك إلي يوم الدين إن شاء الله.. وليس كل من عمل في نظام مبارك فاسداً بالضرورة.. وحتي أولئك الذين تعجلوا المناصب داخل النظام ليسوا سواء.. منهم فاسدون متورطون لأذيتهم بإرادتهم.. ومنهم أبرياء حافظوا علي نقاء ذمتهم ونظافة أيديهم. ودولة القانون لا تأخذ الناس بالشبهات.. ولا تضع "العاطل في الباطل" .. حتي لا تتحول إلي دولة ظالمة هشة.. وإنما تحتكم دائماً إلي القانون والدستور.. لتعطي كل ذي حق حقه. الدكتور مفيد شهاب أستاذ جامعي مشهود له بالكفاءة والاحترام .. وقد كان أستاذاً لي في مادة القانون الدولي بكلية الإعلام جامعة القاهرة عام 1973 وما بعدها.. وكنت وزملائي نعتز به علي المستوي الشخصي والعلمي ضمن كوكبة من الأساتذة العظام: د. حامد ربيع ود. عز الدين فودة ود. حسن حنفي ود. صلاح العقاد. ود. عبدالملك عودة. ود. إبراهيم إمام والأستاذ جلال الدين الحمامصي. كان معلوماً للجميع آنذاك ان د. شهاب محسوب علي التيار الناصري.. وبالتحديد التنظيم الطليعي الذي كان مستهدفاً من نظام الرئيس السادات .. وعندما دخل معترك العمل السياسي في نظام مبارك أشفقت عليه وعلي مكانته العلمية.. وظل في نظري غريباً علي جوقة الفاسدين المفسدين بكل ما تحمل هذه الجوقة من قناعات وتوجهات. من باب المصارحة أقول الآن ان المنصب الوزاري كان خصماً من رصيد د. شهاب ولم يكن إضافة له .. لكنني أشهد في الوقت ذاته انه كان ينتمي إلي فريق الوزراء المتواضعين .. فما من مرة تناولته بالنقد في هذه الزاوية إلا وسارع بالاتصال بي لبيان الحقيقة.. أو تفسير واقعة معينة.. ودائماً كان علمه يسبق منصبه. لذلك لم تكن براءته مفاجئة لي.. ولا أخفي فرحتي بها .. وقد أثلج صدري ان أقرأ في حيثيات البراءة انه لا توجد عليه أية شوائب .. وان الموجود في إقرار ذمته المالية يفوق ما جاء في تحريات الرقابة .. وجميع مصادر دخله مشروعة .. وانه قدم مستندات تؤكد صدق كلامه .. ليس هذا فحسب .. وإنما حصل جهاز الكسب غير المشروع علي موافقة منه للكشف عن سرية حساباته في الداخل والخارج علي سبيل الاحتياط. أتمني ان يكون هناك كثيرون مثل د. مفيد شهاب .. وان تثبت التحقيقات ان الشرفاء في بلدي أكثر من الفاسدين .. حتي تتدعم ثقتنا في أنفسنا .. وتتدعم ثقة الأجيال القادمة في وطنهم .. فليس كل شيء في مصر فاسداً.. وليس كل شخص في مصر سارقاً. أعرف كثيرين من الأسماء التي هرولت نحو المناصب في النظام السابق لم تكن مدفوعة بالرغبة في الفساد.. وإنما كانت مدفوعة بالعجلة علي تحقيق طموحاتها.. وكانت تخشي ان يمر الزمن سريعاً ولا تحصل علي حقها في الحياة .. خصوصاً أن النظام كان ممتداً لثلاثين عاماً.. وكان يخطط لمزيد من الامتداد .. وكان الباب الوحيد لدخول الحظيرة هو الحزب ولجنة السياسات وأصحاب النفوذ الذين يشرفون طرة الآن .. ومن هنا جاءت الورطة الكبري. أرجو أن يستمتع د. مفيد شهاب ببراءته .. وبالصفحة الجديدة التي فتحها لحياته بعد أن اعتزل العمل السياسي وتفرغ للعلم .. وأرجو لكل من انزلق إلي الحزب الوطني ولجنة السياسات أو غيرها من اللجان أن يحذو حذوه .. ويختار صفحة جديدة لحياته القادمة. العمل السياسي في السنوات الآتية سيكون مختلفاً تماماً .. ويحتاج إلي رجال ونساء مختلفين.