حط الثأر رحاله وبسطت الخصومات الثأرية ذراعيها في محافظة سوهاج مستغلة الظروف بعد ثورة 25 يناير حتي الآن فموت وخراب ودمار وضياع الأهل والأحباب هذا ما خلفته الخصومات الثأرية في تلك المحافظة القابعة في جنوب مصر. وعندما تدور ساقية الثأر علي أرض هذا الاقليم. فأنها تجر في قواميسها الجميع "الجاهل والمتعلم. الكبير والصغير" الكل يجني مرارتها بعد أن يسبح في فلكها. فلا فائز فيها وضحايا الثأر شاهدون علي ذلك. فحادث مذبحة بيت علام بمدينة جرجا والذي راح ضحيته 22 شخصاً ليس ببعيد. فمازال عالقا بأذهان الكثيرين حتي الآن واعتبره البعض في حينه سلوكا جديدا في قضايا الثأر بالصعيد لكثرة عدد الضحايا التي تنتمي لعائلة واحدة. ورغم محاولات الأجهزة الأمنية لاتخاذ مبادرات ومعاهدات الصلح بالمحافظة التي وصلت في الشهور الأخيرة إلي إنهاء 22 خصومة ثأرية إلا أن الواقع الفعلي في معظم القري والمدن يقول إن سلسلة جرائم الثأر لم تتوقف بل زادت وتيرتها بعد ثورة 25 يناير في ظل حالة الانفلات الأمني التي شهدتها البلاد. وما أعقبها من عدم استقرار وحتي ثورة 30 يونيو وما تلاها من استغلال البعض في انشغال الشرطة في حربها ضد الإرهاب. وما فعله أبناء عائلة "عبدالله" عندما تربصوا بعائلة "العبيد" بقرية الشيخ شبل مركز المراغة وأمطروهم بوابل من الرصاص مما أسفر عن مقتل 5 أفراد من صفوف العائلة انتقاما لمقتل احد من أفراد عائلة "عبدالله" يؤكد ذلك. "المساء" فتحت ملف الخصومات الثأرية والتي يطلقون عليها "نار جهنم" بسوهاج حيث تشير الاحصائيات إلي أن سوهاج نالت حظاً كبيراً في حوادث الثأر خلال الفترة الماضية خاصة أن المحافظة تتميز بالطبيعة الجبلية والتركيبة البشرية المتسمة أحيانا بالعنف في بعض القري ولعل مقتل مهندس داخل مسجد بقرية أولاد حمزة بمدينة العسيرات أخذا بالثأر في شهر رمضان حينما أطلق عليه عامل الرصاص اخذا بثأر والده وسط ذهول المصلين يؤكد أن عقلية الثأر متأججة بين عدد ليس بالقليل في سوهاج. وقد وصلت إلي حد اعتبارها عقيدة راسخة عندهم فعند البعض منهم تحل مكان القلب في حالة إذا فقدوا عزيزا لديهم "أباً كان أو أخا أو عما" لقي مصرعه علي يد احد أفراد عائلة أخري. التقينا بأحد الشباب بأحدي مراكز سوهاج الشمالية في مقتبل عمره كان قد قتل والده في حادث ثأر وبعد نقاش معه دون أن يعرف هويتي أدركت من كلامه أنه ينتظر خروج قاتل والده المحكوم عليه بالمؤبد قضي منها 10 أعوام فالابن هنا ينتظر 15 عاما أخري حتي يأخذ بثأر والده. تلك هي العقلية التي يقول البعض فيها إن شمس الصعيد التي تطل عليهم كل يوم قد أثرت عليهم وقست من قلوبهم مثلما اكتووا بحرارتها الشديدة كما أن هناك جملة مشهورة تتداول بل يكررها كثير من أبناء سوهاج هي "التار ولا العار" حيث تتردد علي ألسنة الكثيرين منهم فهم يعتبرون أن اخذ الثأر خاصة في القري شرفاً وكرامة مثل العرض لابد أن تحافظ علي تقاليده وعاداته ومن لا يؤخذ بثأره يكون ذلك عاراً علي أبنائه وأسرته بل علي عائلته وتلعب بعض السيدات دورا كبيراً في تعميق ذلك المفهوم خاصة بالقري. فالأم في المنزل ترتدي السواد ربما طول العمر حزنا علي زوجها الذي فقدته في حادث ثأر وتنتظر أن يكبر ابنها حتي يأخذ بثأر والده. إحدي قري سوهاجالجنوبية قامت ربة منزل كان قد قتل زوجها علي يد احد أفراد عائلة أخري بإطلاق الأعيرة النارية والزغاريد ابتهالا بأخذ ثأر زوجها وأصرت علي ذلك وقت خروج الجنازة وبالشارع الذي يقع فيه أسرة منزل المتوفي "القتيل" الأمر الذي زاد من حالة الغليان والاحتقان ورد الصاع صاعين وبالفعل لم تمر شهور إلا وتكرر نفس المشهد وأطلقت زوجة القتيل الأخيرة الزغاريد بل زادت من الأمر تعقيدا وغرابة حيث قامت بتوزيع الشربات الحلوي وكأنه عرس لكنه بدون عريس. هذه هي أحوال شريحة من المجتمع السوهاجي عندما ينغلق علي نفسه. حيث يدفع الأبرياء والأبناء ثمن فاتورة الجهل والدم لكن ماذا تفعل في عقول أصمت أذنيها وربطت علي قلبها بجأش الثأر؟!! وما كان دار السلام المركز الأصعب في محافظات سوهاج إلا صورة من صور الليل المظلم حيث بعض المناطق الملتهبة فيه مازالت تقف علي خط النار بما فيها من العصبية والقبلية وأصوات الرصاص التي تدوي في كل مكان وقد يستغرق ضرب النار بين عائلتين ليس ساعات بل أياماً. وهذا ما حدث منذ فترة بين عائلتي القوايدة والشرابلة بمركز دار السلام عندما لقي كبير الشرابلة مصرعه لتدخل بعدها العائلتان في مسلسل من العنف تسبب في خسائر فادحة لقريتي أولاد سالم وأولاد خلف وفرض عليهما حصاراً من الخوف والتربص كلف أهالي القريتين الكثير في ظل إطلاق النار المتواصل والمتبادل بين أفراد العائلتين قال عنها البعض إن الحرب وضعت اوزارها.. ولعل حوادث الثأر في سوهاج لا تتوقف علي مكان أو زمان معين فقد شهدت إحدي قاعات المحاكم بسوهاج محاولة قيام سائق بمدينة طما بأخذ ثأر والده من المتهم داخل قفص المحكمة ولكن أجهزة الأمن تمكنت من القبض عليه قبل ارتكابه الجريمة وبحوزته سلاح ناري وتم احباط محاولة الأخذ بالثأر. محافظ سوهاج اللواء محمود عتيق اشار إلي أن الهاجس الأكبر المقلق لدي الأجهزة الأمنية والتنفيذية والشعبية بل المواطنين انفسهم هي حوادث الثأر. نعم هاجس مخيف يحيط بالمحافظة من كل جانب فلا توجد قرية بالمحافظة إلا وبها حادثة ثأر بل في إحدي القري عشرات من الخصومات الثأرية والتي يكتوي بنارها. المستشار أبو المجد أحمد رئيس لجنة المصالحات بمحافظة سوهاج أكد حرمة الخصومة بين الناس وان نعمة الأمن لابد أن تتوافر بالمحافظة مشيراً إلي أن محافظة سوهاج تحتل المركز الأول علي مستوي الجمهورية في إنهاء الخصومات الثأرية. كما شدد علي العقوبة الشديدة التي حددها القانون لحامل السلاح الناري وهي السجن المؤبد معتبرا أن الخصومات الثأرية شر علي الجميع. أشار الدكتور خالد كاظم أستاذ مساعد علم الاجتماع بآداب سوهاج إلي أن محافظة سوهاج من المحافظات التي يشتهر أهلها بالكرم والشهامة إلا إن بعض العادات والتقاليد السيئة وتمسكهم بالعصبية والقبلية قد تسببت في الكثير من المعاناة لأهلها نتج عنها كثير من حوادث الثأر الدموية التي راح ضحيتها اناس أبرياء لا ذنب لهم فيما ارتكب اقرابهم وان هناك ظروفاً وعوامل اقتصادية واجتماعية ساعدت علي كثرة حوادث الثأر بالإضافة إلي عامل الظروف الأمنية التي شهدتها البلاد عقب أحداث 25 يناير ومازلنا نعاني منها حتي الآن كما أن هناك مسئولية تقع علي الجميع سواء الأسرة والمدرسة والمجتمع والدولة.