منذ قيام ثورة 25 يناير.. ظهر عدد من الدعوات من شخصيات عامة لجمع تبرعات من المواطنين لدعم الاقتصاد المصري وإقامة مشروعات قومية! بدأ هذه الدعوات الفنان الكبير محمد صبحي وكانت تستهدف جمع مليار جنيه لتطوير المناطق العشوائية وإقامة مدارس جديدة.. ثم ظهرت مبادرة الداعية السلفي الشيخ محمد حسان لجمع تبرعات من المواطنين للاستغناء عن المعونة الأمريكية ثم أعلن الشيخ حسان أنه جمع 60 مليون جنيه. وبعد ثورة 30 يونيو تبنت شبكة قنوات CBC دعوة لجمع تبرعات لدعم اقتصاد مصر.. واستجاب لها آلاف المواطنين وتم جمع ملايين الجنيهات تحت حساب "306306". والسؤال الذي يفرض نفسه الآن الشعب يريد أن يعرف أين ذهبت أموال التبرعات؟! وهل أقيمت مشروعات قومية بهذه الأموال؟! توجهنا بهذه التساؤلات إلي عدد من خبراء القانون والاقتصاد وكانت البداية مع د. أحمد البرعي وزير التضامن الاجتماعي: أن هناك رقابة صارمة علي الجمعيات الأهلية التي تتلقي تبرعات فيتم محاسبتها علي الانفاق كما حدد القانون ولو ثبتت مخالفات يمكن تسويتها نحاول تقويم سلوك الجمعية أما إذا كانت المخالفات تصل إلي حد الجريمة فيتم تحويلها إلي النيابة بالإضافة إلي حل الجمعية ومجلس إدارتها. أشار إلي أن هناك تبرعات لا تخضع لرقابة الوزارة ويقوم بها شخصية عامة ويعلن أنه سيتم توجيهها لمشروع ما أو لدعم قطاع معين أو لمشروع خيري ويقوم الناس بالتبرع نتيجة الثقة في هذه الشخصية ولكن المشكلة أن المتبرع لا يستطيع متابعة إنفاق المبالغ التي تم جمعها. أما عن العقوبات التي يقرها القانون في حالة إثبات المخالفات أشار الوزير إلي أن هناك عقوبات عديدة تقر حسب المخالفة والتي تصل إلي حد الاختلاس لأن أموال التبرعات للجمعيات تعد أموالاً عامة وهي جريمة الاعتداء علي المال العام. أضاف د. البرعي أنه بالنسبة للتبرعات التي جمعتها قناة C.B.C أو الفنان محمد صبحي أو الشيخ محمد حسان تأتي في إطار رفض المعونة الأمريكية ودعم الاقتصاد المصري والوزارة لا تعلم عنها أي شيء والمسئول عنها من دعا لها أما التبرعات الموجهة للجمعيات فتتم عن طريق إذن مسبق من الوزارة وفيها يحصل المتبرع علي إيصال بقيمة التبرع وعلي هذا الأساس تتم محاسبة الجمعية ولكن التبرعات التي توضع باسم أفراد ليس لنا حق في الرقابة عليها. وتقول د. هالة السعيد عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية إن التبرع والتكافل شيء جيد ويتم علي كافة المستويات في المجتمعات المتقدمة ولكن في مصر يتم التبرع بطريقة عشوائية وليست بأسلوب مؤسس وربطها بخطة التنمية وأولويات الدولة في دعم المجتمع المدني مما يحتاج إلي هيكلة وإعادة تنظيم ووضع خطة لعدم التكرار وازدواجية المشروعات ومعرفة أوجه الأنفاق وتوجيهها للقطاعات الأولي بالرعاية سواء التعليم أو التنمية الاجتماعية أو غيرها حتي لا تتم الاجتهادات في جمع التبرعات بطريقة عشوائية وحتي يكون لها جدوي أفضل وتأثير مباشر بشكل مؤسسي ومنظم وربطها بخطة التنمية أو المشروع القومي بجانب مشاركة الحكومة. النمو الاجتماعي وحول أثر التبرعات علي الاقتصاد أوضحت "السعيد" أنه يساعد في النمو الاجتماعي خاصة بعد ثورة يناير وما حدث من خفض النمو الاقتصادي والذي أثر علي المواطن البسيط خاصة أن التنمية الحقيقية هي التنمية الاقتصادية التي تشمل زيادة في دخل الطبقات الفقيرة والمتوسطة لأن النمو الاقتصادي ينعكس علي النمو الاجتماعي. مشيرة إلي أن وضع إطار مؤسسي للتبرعات يساعد علي مراقبتها والحد من جمعها بشكل غير منظم وحتي لا يشوبها إهدار مال عام واستغلال موارد الشعب الاستغلال الأفضل ويكون للإطار المؤسسي مجلس إدارة من شخصيات عامة موثوق فيها. اتفقت معها الدكتورة نجوي سمك أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة مؤكدة أن التبرعات تفيد في المجتمعات النامية وتساهم في التنمية الفعلية خاصة إذا تبنت هذه التبرعات جهة موثوق فيها ومسئولة خاصة أن أغلب التبرعات لا يعلم أحد أين تذهب أو فيما تنفق فهناك غياب شديد للشفافية في حجم التبرعات وكيفية إنفاقها فإذا كان هناك مشروع قائم بالفعل يتم جمع التبرعات له وشرح مراحل الإنجاز والإنفاق بدلاً من التبرعات "الهلامية" خاصة أن الشعب سمع أكثر من برنامج للتبرع ولكنه لا يعلم ما مصيرها ولم يلمس نتائج واضحة لهذه التبرعات. شرعية الانفاق * أما عن الرأي القانوني في عملية جمع التبرعات يؤكد د. محمد سليم أستاذ القانون المدني بحقوق المنوفية أن التبرعات تشكل جزءاً كبيراً من رأس مال المؤسسات الخيرية ويتم تقديم طلب لوزارة الشئون الاجتماعية يوضح فيه الهدف من جمع التبرعات وفيما تنفق وعلي أساسه يتم طبع إيصالات بختم الوزارة منعاً لتسرب وإهدار التبرعات وحتي تكون تحت الرقابة. أضاف: إذا تم وضع أموال التبرعات في أحد بنوك الدولة فتكون خاضعة للرقابة وأن الجهة التي أودعتها هي التي لها شرعية الإنفاق وهي التي تراقب. ولهذا فإن ما جمعه الشيخ محمد حسان ليس له أي صفة ولابد من وضع هذه الأموال بجهة رسمية كوزارة الشئون الاجتماعية حتي لا يكون هناك شك رغم أن الأصل في التبرع وجمع التبرعات حسن النية وأن وصول الأموال لقنوات شرعية يبعث الطمأنينة للمتبرع. مشيراً إلي أن عقوبة المخالفة مثل إهدار المال العام فإذا وصل لدرجة الاستيلاء فتكون العقوبة من 3 إلي 15 سنة أما في حالة الاختلاس فإنها تكون جناية وتصل عقوبتها إلي الأشعال المؤبدة. ولهذا فمن الأفضل وضع أموال التبرعات في قنوات شرعية وتسليم إيصالات مختومة للمتبرع والرقابة علي إنفاقها. ومن أشهر التبرعات التي أحدثت جدلاً واسعاً في الشارع المصري التي جمعها الشيخ محمد حسان خاصة بعد أن قدم رمضان عبدالحميد المنسق العام لجبهة الإنقاذ الوطني بلاغاً إلي النائب العام السابق المستشار عبدالمجيد محمود يتهمه بالنصب والاحتيال علي الشعب المصري بخصوص جمع التبرعات للاستغناء عن المعونة الأمريكية ووصلت التبرعات إلي 60 مليون جنيه.. والبلاغ برقم .3752 وكانت طوائف عديدة من الشعب المصري استجابت لحملة الداعية السلفي وقاموا بتنظيم حملات لمحافظات مصر حيث تبرع موظفو ديوان المحافظة بأجر ثلاثة أيام من راتبهم علي مدي ثلاثة شهور لصالح الاقتصاد المصري وفي محافظة المنيا أعلن رؤساء المدن والمراكز تبرعهم بأجر أسبوع كامل وتبرع العمال براتبهم دعماً للموازنة العامة. وفي كفر الشيخ دعا ائتلاف معلمي المحافظة وإدارة سيدي سالم لإطلاق حملة لجمع التبرعات من جميع العاملين علي مستوي المحافظة للاستغناء عن المعونة الأمريكية حتي تعود لمصر كرامتها ومكانتها.. بالإضافة إلي إنشاء صندوق العزة والكرامة بإشراف محمود الشريف نقيب الأشراف لجمع المعونة المصرية. وبعد أن هدأت فاعليات الحملة لم نسمع أي شيء عن هذه الملايين التي تم جمعها من الشعب ولا نعرف أين ذهبت وفيما تم إنفاقها وما الجهات التي تم منحها تلك الأموال ولماذا توقفت وهل شيخ الأزهر رفض استكمال المبادرة خاصة أنه كان ضمن فريق الدعوة مع د. علي جمعه ود. علي عبدالله شاكر رئيس جمعية أنصار السنة حسب مقدم البلاغ. ومن أبرز التبرعات أيضاً الدعوة التي تبنتها قناة C.B.C لدعم اقتصاد مصر وجمعت ملايين من الجنيهات ولكن هدأت الحملة ولا أحد يعلم عنها شيئاً أو المبلغ الذي تم جمعه ومن المسئول عنه و أين ذهب وما مصيره.. وإلي جانب التبرعات التي جمعها الفنان محمد صبحي لبناء مدارس جديدة وكل هذه التبرعات تتم بطريقة غير مؤسسية. وكشفت د. فايزة أبوالنجا وزيرة التعاون الدولي سابقاً أن أحد رجال الأعمال رفض ذكر اسمه تبرع بمبلغ 40 مليون جنيه وأيضاً تبرعت إحدي الشركات المصرية بمبلغ 20 مليون جنيه أخري كل هذه التبرعات من حق الشعب المصري يعرف الحقيقة بكل شفافية في قيمتها وفي أي المشروعات التي يتم إنفاقها ومن الجهة المسئولة عنها والتأكد من الرقابة عليها حتي يطمئن المتبرع أن تبرعاته في الطريق الصحيح.