انتهت مناسك أداء فريضة الحج التي تجلي الله فيها سبحانه وتعالي علي عباده الحجيج وغفر لهم جميعا حيث وهب مسيئهم لمحسنهم وغفر لهم يوم عرفة كما ورد في الحديث الصحيح.. واليوم يصل أول أفواج بيت الله الحرام إلي بلادهم ليبدأوا رحلة أخري من الجهاد في سبيل الله وهو الالتزام بالمنهج الرباني الذي ساروا عليه أثناء رحلتهم المقدسة. السؤال الذي يفرض نفسه.. وماذا بعد الحج؟.. وما علامات الحج المبرور؟.. يقول الدكتور حامد أبوطالب - عميد كلية الشريعة والقانون الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية - إن الحجاج عندما يصلون إلي بلادهم فإنهم يجب أن يبدأوا مرحلة جديدة من حياتهم بعد أن وقفوا علي عرفات الله باكين مبتهلين بأن يغفر الله لهم ما تقدم من ذنب وما تأخر.. ويجب علي الحاج أن يعتقد ان الله سبحانه وتعالي غفر له وان يسلك السلوك الذي يتناسب مع المؤمنين الصادقين ويتخلق بأخلاق المسلمين الصالحين الحقيقيين ويعكس حجه علي سلوكه فيقلع عن الكذب إن كان يكذب ويمتنع عن الغش إن كان يفعل ذلك ويحسن إلي الناس جميعا ويعاملهم بالحسني لاسيما أهل بيته وأولاده وأسرته وأن يحسن معاملة الناس جميعا مسلمين وغير مسلمين ويكون مثلا للمسلم الحقيقي ونموذجا طيبا للشخص المتدين. أشار إلي أنه يجب أن يتعود الحاج علي الانفاق في سبيل الله بعد عودته فإذا كان قد أنفق في رحلته الكثير قبل أداء الفريضة فيجب أيضا أن يكثر من الصدقات علي الفقراء وأن يساهم في بناء المساجد والمستشفيات وبيوت العلم فكل ذلك وغيره من علامات الحج المبرور. أكد انه إذا التزم الحاج بهذا السلوك الجديد يكون ذلك من أكبر العلامات علي قبول حجه حيث انعكس ذلك علي سلوكه وغيره وتخلص من الأخلاق السيئة الرديئة التي لا تتناسب مع أخلاق المسلمين. الشيخ صبري عبادة - وكيل وزارة الأوقاف - يري أن الحج المبرور له شروط كما وصف ذلك رسول الله - صلي الله عليه وسلم - في مقدمتها أن يتخلص الحاج من الأعمال السيئة التي كان يفعلها قبل أداء الفريضة المقدسة لأنه خرج من رحلة الحج وهو كيوم ولدته أمه مغفور الذنوب وطاهر الصحائف. أشار إلي أن قبول الحج أو عدم قبوله من الأمور الغيبية التي لا يعلمها إلا الله ولكن هناك بعض العلامات مثلا بأن يتحول الحاج من البخل إلي الانفاق في سبيل الله والحرص علي أداء صلاة الجماعة في المساجد وكثر الدعاء بالاستغفار والعطف علي الفقراء وصلة الأرحام.. كل هذه التصرفات تجعل منه انسانا آخر بعد أداء الفريضة المقدسة.. كما أنه يجب أن يتميز الحاج بالتواضع والرحمة وتقوي الله والخوف منه سبحانه وتعالي فلا يقوم بما يغضبه جل علاه مثل ارتكاب أي أعمال تخريبية تسيء للمجتمع كالتظاهرات غير السلمية وما يحدث فيها من أعمال شغب وتدمير. أبواب الرحمة أكد الشيخ علي الله شحاتة الجمال - إمام مسجد السيد زينب - ان الله فتح أبواب المغفرة والرحمة لعباده المؤمنين في الحج واعتبر ان الانسان يبدأ بعد أداء الفريضة المقدسة حياة جديدة وأغلق صفحات حياته السابقة.. قال رسول الله - صلي الله عليه وسلم - في حديث عمرو بن العاص فيما رواه عن مسلم "أما علمت ان الإسلام يهدم ما كان قبله وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها وان الحج يهدم ما كان قبله" فالحج يزكي النفوس ويخلصها من الآثام وهذا ما يحمل الحاج مسئولية اخلاص النية والتوجه بالقلب لله عز وجل فيسير علي ذات الدرب الذي بدأه في رحلته المقدسة حتي ينال ثواب الحج المبرور. أضاف ان الحاج يجب أن يستحضر في نفسه دائما الذكريات التي عاشها مع الله في بيته الحرام ومسجد نبيه الكريم فيجدد معه العهد بصفة دائمة ويكثر من ذكر الله الذي هو شفاء القلوب ومن تلاوة القرآن التي تقربه إلي الله والشكر علي ما منحه من منة أداء الحج.. كما يجب أن يعي حق مجتمعه عليه فيتعاون مع أخيه المسلم وغير المسلم.. قال تعالي: "وتعاونوا علي البر والتقوي ولا تعاونوا علي الإثم والعدوان".. فقد وقف علي جبل الرحمة وبجواره أخوه المؤمن غاضبا الطرف عن لونه أو جنسيته أو انتمائه السياسي أو الحزبي.. لذلك يجب علي الجميع بعد عودتهم كما تصالحوا مع الله ومع أنفسهم أن يتصالحوا مع أفراد مجتمعهم وينبذوا الأحقاد ويتناسوا الخلافات التي كانت تفرق وحدتهم وتشتت شملهم.. وقد سئل الحسن البصري رحمة الله: ما الحج المبرور؟ فقال: "أن تعود زاهدا في الدنيا راغبا في الآخرة". أكد ان من أهم فوائد الحج تجميع المسلمين علي هدف واحد وتوحيد مواقفهم تجاه الأحداث الكبري التي تشهدها مجتمعاتهم ومن هنا يجب توظيف موسم الحج لتحقيق الوحدة المأمولة بين المسلمين والتخلص من أسباب الشقاق والفرقة. مؤتمر سنوي يقول د.حسين شحاتة - أستاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر - ان موسم الحج مؤتمر سنوي يتجمع فيه المسلمون لتحقيق منافع في الدنيا والآخرة.. فكما هو يطهر قلوب المؤمنين من الآثام والمعاصي فانه كذلك يجب أن يطهر معاملاتهم المالية من الخبائث والموبقات كالربا والاحتكار والغش والتدليس والغرر وأكل أموال الناس بالباطل. أضاف انه للأسف حتي الآن لم يستطع المسلمون توظيف مؤتمر الحج بما يعود عليهم بالنفع ويقوي من مصالحهم الاقتصادية فنجد ان معظم البضائع والخدمات اللازمة لموسم الحج تنتج في بلاد غير إسلامية وتقدم بواسطة غير مسلمين وهي منتجات تقدر بالمليارات وهذا دليل علي سوء التخطيط الاقتصادي بين المسلمين لأنه لو أحسنوا توظيفها فيما بينهم لارتقي الاقتصاد الإسلامي وأصبح قوة لا يستهان بها..طالب د.شحاتة الحكومات الإسلامية بانشاء مشروعات اقتصادية تتولي إنتاج وتسويق ما يتطلبه موسم الحج من بضائع وخدمات حتي يكون خير المسلمين للمسلمين وهذا تجسيد حقيقي لأهمية وحتمية التعاون والتكامل بين المسلمين.