منذ رحيله في 28 سبتمبر 1970 لم يكن الزعيم ناصر هكذا حاضرا وبقوة في الوجدان الجمعي للشعب المصري. وفي قلوب العاشقين لأرض الوطن. المؤمنين بمستقبله. والتواقين بشغف إلي تحرير ارادته. وربما منذ رحيله قبل 43 سنة لم يجرفنا الشوق بمثل هذه القوة إلي استدعاء روحه وتمثله شخصياً! ولم لا؟؟ والشعب المصري في واديه يصنع ثوراته الشعبية الهادرة المبهرة ثم لا يجد لها زعيماً. وانما يسقط في قبضته زعماء المافيا الإخوانية التي تسطو علي ثوراته بإرهاب غير مسبوق ربما بسبب هذه المشاعر والأحاسيس الفياضة والآمال - التي مازالت محبطة - ينجذب الناس إلي الفريق السيسي وزير الدفاع باعتباره الأقرب للزعامة والأكثر تجسيداً لروح الثورات المصرية. ورغم الحضور الطاغي. التاريخي والمعنوي والوطني ل ناصر الذي لم يرحل وانما يظهر كلما اشتدت درجات العتمة وكلما بدا الأمل مراوغاً والثورة يتم التربص بها. أقول رغم هذا لا يزال أحمد زكي الممثل المصري الوحيد الذي استطاع ان يحمل بعض صفات هذه الشخصية وذلك بادائه الخالد لها في فيلم "ناصر 56". أهم ما قام به أحمد زكي في هذا الفيلم انه استوعب جوهر "مصرية" عبدالناصر. وأعني الاحساس بإحساس المصريين والشعور معهم بأنه لا شرف بدون حرية وكرامة والحرية "تقتضي ان نعمل بجد وبعزم حتي نبني مصر قوية عزيزة كريمة ومن هنا جاء تأميم القناة". وأهم ما في فيلم "ناصر 56" الذي كتب له القصة والسيناريو والحوار الكاتب المبدع محفوظ عبدالرحمن. مادته الموضوعية التي نجحت في تجسيد مقومات الزعامة التي تعني القوة والثبات والوطنية الخالصة والولاء غير المشروط للوطن ومصالحه. الفيلم من انجح الأعمال التي أخرجها محمد فاضل. والأكثر خلوداً في تاريخه الفني وتاريخ معظم الفنانين الذين شاركوا فيه. الأحداث تغطي فترة محدودة وكلها الأكثر خطورة وتحدياً. فترة تأميم قناة السويس. وما جري بعد ذلك من عدوان ثلاثي علي مصر. من يريد ان يصل إلي قائمة بالأفلام التي عالجت فترة حكم عبدالناصر وسيرته الذاتية لن يجد إلا أعمالاً محدودة جداً تستحق الاشارة والنادر منها جدير بالاهتمام والاعجاب باعتباره تعبيراً درامياً موضوعياً يعكس اهمية هذه المرحلة علي المستوي المحلي والاقليمي والعربي والدولي. لا أعني عملاً دعائياً وانما توثيق درامي معتبراً لفترة من أهم الفترات التي عاشها الشعب المصري والأكثر نفاذاً في تاريخه بل في تكوينه المعنوي. كثيرون اعتبروا فيلم "الناصر صلاح الدين" اسقاطا علي شخصية عبدالناصر. والفيلم شارك في كتابته يوسف السباعي وعبدالرحمن الشرقاوي وأخرجه يوسف شاهين "1962" ورغم اهمية الفيلم الا انه لا يندرج ضمن قائمة الأفلام التي تصور الفترة الناصرية. السينما الأمريكية لم تترك شخصية وطنية مهمة في التاريخ القصير للولايات المتحدة وكذلك ولم تترك زعيماً حتي في مجال الجريمة المنظمة الا وانتجت عنه فيلماً. تاريخ الولاياتالمتحدة ستجد ما يعادله علي الشاشة وكذلك تاريخ فرنسا والاتحاد السوفيتي فصلاً عن الثورات والحروب العالمية التي خاضتها هذه الدول.. هناك تفاوت كبير في الكم والكيف ولكن المؤكد ان الزعماء الكبار يشكلون هامة وجذابة لكتاب السينما وكذلك الثورات وحروب التحرير. الشعب المصري وكفاحه وزعماؤه لم يجدوا التعبير الكافي والمثالي علي الشاشة بما في ذلك شخصية جمال عبدالناصر الذي أثر علي مسيرة العالم بأسره وظل ضمن أهم الرؤساء الذين انجبتهم الشعوب. رحمة واسعة للزعيم في ذكراه بقدر ما أعز شعبه وجاهد من أجل تحقيق حريته وكرامته.