منذ أول سطور هذه المجموعة القصصية يسترعي نظر الناقد والقاريء المدقق عدة ظواهر فنية أولها رهافة الإحساس بالكائنات من إنسان وحيوان ونبات وسائر المخلوقات الأرضية والسماوية والظاهرة الثانية هي توحد الكاتب بهذه الكنائنات توحد الصوفي بأوراده والظاهرة الثالثة: أسلوبية. وهي البراعة في تصوير هذه الكائنات وذلك التوحد. إذ يتجلي الكاتب فنانا حاذقا يرسم بفرشاته لوحات تشكيلية فلتقرأ المقطع الأول من قصة "زحام الوهم والأماني": شمس وغيوم. برد ومطر. الصورة وضدها متناقضان لخلفية واحدة. سبحان من أبدع أوراق الياسمين حول منزله العتيق تذروها الرياح في محاولة فاشلة لتشويه اللمسة الجمالية لمنزل شيد في زمن الفن والذوق.. ونتبين في هذا المقطع أيضا إلي جانب السمات السابقة اللعب علي وتر الصراع بين الأضداد وهي سمة درامية نعرفها في المسرح والشعر فالمفارقة واضحة بين الشمس والمطر. بين الريح العاصفة وأوراق الياسمين الندية الفواحة بالعبير كما نتبين المزج بين التكثيف الشاعري الخيالي وسرد التفاصيل الدقيقة. وتدلنا المجموعة القصصية الجديدة للأديب محمد حسين سوسة الصادرة بعنوان: "الخريف الزائف" علي سعيه الدائب لترسيخ قدمه في الساحة الأدبية وهو يمتلك كثيرا من أدوات القصة القصيرة التي يصلح بعضها لصياغته في رواية نظرا لتعدد الشخصيات والأحداث واختلاف الزمان والمكان. والواقعية هي السمة الأساسية في إبداع كاتبنا فهو يضرب في جذور البيئة المصرية. في الريف والمدن ويصور مختلف الشرائح مع تركيز علي الشخصيات المهمشة ومن هذه الشخصيات "سعدية" في قصة "الخلع أهدر فرصتي" وقد سرد فيها ما لقيته هذه الفتاة الريفية من ظلم زوجها عبدالعليم الذي كان فارسها الموعود فإذا به سجانها "المريد" إذ يستعبدها ويرغمها علي طاعة أمه وإخوته. ويدفع بها إلي العمل الشاق في الحقول رغم أنها حاصلة علي شهادة متوسطة مثله. وتشبه سعدية.. بطلة رواية "الأماني الضائعة" فكلتاهما ضحية الجهل والاستبداد وتهميش الأنثي واستكانتها إلي القهر الجسدي والنفسي. إن العالم الذي يصوره القاص والروائي محمدحسين سوسة هو عالم الأحلام المجهضة كما تدل علي ذلك متون أعماله الأدبية بل عناوينها فالمجموعة بعنوان "الخريف الزائف" والرواية التي أشرنا إليها بعنوان "الأماني الضائعة" ويجيد كاتبنا اختيار بدايات ونهايات قصصه وتتسم لغته بالبساطة فلا تصنع ولا تحذلق بقصد إبهار القاريء فالأسلوب منساب رقراق يأخذ من الواقع مادته ومن الرومانسية ألقها وسحرها. ولا يشوب أسلوب محمد حسين سوسة إلا الاستطراد والاستقصاء بغير مقتضي في السرد الحكائي وكثرة المترادفات بديلا من التكثيف في المعني والمبني الذي يقضتيه فن القصة القصيرة.