في هذه الأيام الصعبة نحتاج نحن المصريين إلي "ترياق" يبطل تأثير السم الذي تدسه الجماعة الارهابية عبر الجرائم اليومية التي تملأ الأجواء بالكآبة وتشحن الصدور بمشاعر السخط والرغبة العارمة في الانتقام. والانتقام شحنة سلبية تؤرق النفوس وتمحو الاحساس بالراحة مما يجعل كل واحد منا في حاجة ماسة إلي شحنة ايجابية مضادة تشحذ الهمة وتعيننا علي احتمال الرعب والدمار والقتل الذي توعدتنا به الجماعة حين سقط حكمها وذهب إلي غير رجعة بإذن الله. المصريون يحتاجون إلي نسيم للروح ملطف.. إلي علاج سريع يمحو آثار السنة الكبيسة التي استشرت فيها الجماعة وبسطت نفوذها واتحكمنا خلالها برئيس منهم.. انها السنة الأكثر سوادا في حياة المصريين. نتجرع الآن تداعياتها ونعاني من آثارها.. فها هم جحافل المجرمين المحترفين ينتشرون ويلحقون بمصر الدمار عن عمد ومع سبق الاصرار والترصد. طوفان من الخسة والنذالة والتدني الأخلاقي والحضاري نلمح أعراضه وندفع من راحتنا من أجل مواجهته. أدعوك أيها القارئ العزيز إلي تأمل الوجوه التي تطل علينا مهددة ومنذرة. أدعوك إلي التفكير في دلالة ما قاله الارهابيون ورددوه من عبارات الترويع والتهديد وما يقومون به فعلا ضد مؤسسات الدولة وضد الشعب! تأمل ذلك كله حتي تفهم الاحتياج الحقيقي إلي ملطف ومهدئ قوي يعالج آثار هذا الابتلاء. انني أتعجب وأعجز عن فهم موقف وطريقة تفكير هؤلاء المصريين الذين ما زالوا يحملون ذرة تعاطف أو بصيص أمل في تحول جماعة ارهابية انكشف تآمرها وتجلت نواياها وظهر للعيان عدم انتمائها وغربتها عن هذا الوطن.. تحولها إلي جماعة أليفة تتجانس مع الشعب الذي أعلنت عداءها له واستقوت بأعدائه ومازالت تخطط لاغتيال أبنائه. وربما يتفق معي القارئ لو قلت ان هذا العلاج السريع للاكتئاب استطاعت الأغنية الوطنية أن تخفف من آثاره وأن تستعيد قدرا من التفاؤل للشعب وتنجح في استنهاض الهمم والتعلق بالأمل وحالة المرح الذي يميزه. فمن بين كل الفنون المصرية ثبت الآن أن اللحن والكلمات والمغني الفردي والجماعي احدي الوسائل لانتشار البهجة. ولن نحتاج إلي جهد كبير لمعرفة التأثير السريع والقوي الذي أحدثته الأغنية الجماعية الرائعة "تسلم الأيادي. تسلم يا جيش بلادي" كثير من المصريين حولوها إلي "رنات" يسمعها كل من يتصل بهم.. العمال يشدون بها والبنات في المدارس والناس في الشوارع. أيضا الأغنية البديعة التي يغنيها الفنان الإماراتي حسين الجاسمي "تسلم ايديك" التي أهداها للجيش ووجه كلماتها إلي الفريق أول عبدالفتاح السيسي دون أن يشير مباشرة إلي اسمه.. أتساءل هل ثمة توارد في الخواطر هو الذي جعل مطلع الأغنيتين متقاربين "تسلم ايديك. وتسلم الأيادي" أم انها حالة وشعور خاص من إبداع اللحظة.. الأغنية في هذا التوقيت وبهذا الحماس والصدق تنقل الشحنات المعنوية "الترياق" الملطف للحالة النفسية. بعد ثورة 25 يناير استحدث بعض شباب الفنانين شكلا جديدا للأغنية واسلوبا مختلفا في التأليف وظهرت فرق شبابية من أبناء الطبقة المتوسطة بألحان وكلمات ليست مزلوفة تعبر عن نقلة فنية كبيرة.. أتذكر أغنية "فلان الفلاني" و"يا الميدان" و"اثبت مكانك".. إلخ. أما الأغنية مع ثورة 30 يونية 2013 فقد أخذت منحني شعبوياً جماهيرياً يتلامس مع كل الطبقات ويشبع الاحتياج إلي التحدي والتفاؤل وينعش الرغبة في تأكيد الذات وتقوية مشاعر الانتماء. أغنية ترضي مزاج كل المصريين الميال إلي الصخب والطرب العاشق لمؤسسته العسكرية الوطنية. مصطفي كامل الذي كتب كلمات ووضع ألحان "تسلم الأيادي" لم يكن هو نفسه يتخيل الأثر النفسي الذي سوف تحدثه الأغنية في هذه الظروف العصيبة. وليست هذه هي المرة الأولي التي يغني فيها حسين الجاسمي لمصر وللقاهرة "أهل كايرو" وللمصريين.. ولكن أغنية "تسلم ايدك" تجعلني أشعر بامتنان حقيقي للمطرب العربي الذي غناها. الكلمات سهلة قوية معبرة وحساسة تخرج من القلب لتدخل القلب. أشكر المؤلف الذي اختار الكلمات واللحن البديع المنعش والأداء الرصين للمطرب الذي وقف أمام الميكروفون بزيه العربي الوطني مؤكدا عروبته وانتماءه علي نحو لا يخفي علي أحد. تسلم ايديك يا للي في حب مصر بتضحي بسنينك يا اللي انت وفيت بوعد كان بينها وبينك. ياللي مشيت وياها السكة لآخرها.. من وسط كل ولادها عارفة انك كبيرها