ما يحدث في ليبيا واليمن الآن.. مهزلة بكل ما تحمل الكلمة من معني. نعم.. مهزلة.. لكنها ليست ابداً غريبة أو جديدة أو مستبعدة في الأنظمة الديكتاتورية والتي بينها وبين الديمقراطية وحرية وكرامة الشعوب عداء مستحكم. وأي نظام من هذه الأنظمة لابد أن تكون هذه طبيعته ولابد أيضاً أن تكون له نهاية سوداء تتطابق وجرائمه. *** منذ 17 فبراير الماضي.. والعقيد معمر القذافي يضرب في شعبه بكل الأسلحة الخفيفة والثقيلة.. الأرضية منها والجوية والبحرية بعد أن أعلن الحرب علي الشعب الليبي الشقيق وأمر بمطاردته وإبادته في "زنجة.. زنجة"!! ورغم تساقط مئات الشهداء وآلاف المصابين.. إلا أن جنون العظمة لدي القذافي يرفض الاستسلام للأمر الواقع الذي يفرض عليه التنحي. رغم تدخل القوات الدولية.. فإنه يأبي أيضاً أن يتنحي ويزداد جنوناً ضد شعبه وثرواته حتي إنه بدأ يحرق آبار البترول. ورغم أن وفداً من الاتحاد الأفريقي توجه أمس إلي طرابلس لاقناعه بترك السلطة.. فإنه استمع إليهم كالأبله وأخذ يلف ويدور دون التطرق للتنحي. القذافي يا جماعة وصل إلي درجة تأليه نفسه - والعياذ بالله - ولا يتخيل روحه بعيداً عن السلطة.. ولم لا وهو الذي يعتبر نفسه ملك ملوك أفريقيا!! هذا الجنون الفطري لديه والذي ازداد مع سنوات حكمه ال 42 جعلته كالإسطوانة المشروخة.. يسوف ويماطل ويخترع حلولاً كلها لا تقترب من التنحي ولا ولن يستجيب إلي صوت العقل.. صوت الشعب الذي يطالبه بالرحيل! إن ليبيا تعيش وضعاً إنسانياً صعباً.. فالغذاء لا يكفي والحريات ضائعة. والحقوق مهضومة. وملك ملوك أفريقيا وأبناؤه يرثون ليبيا وما عليها وتحتها من بشر وجمر وغاز.. والرقص والموسيقي لا يتوقفان في دار العزيزية دون أن يهتز لساكنيها رمش أو تدمع عين أو يبكي فؤاد في هذه الدار علي الشهداء الذين سقطوا ويسقطون. *** واليمن الذي كان سعيداً أيام زمان.. أصبح عبوساً وحزيناً وباكياً ودامياً علي يد الشاويش علي عبدالله صالح والذي لا يختلف كثيراً عن صاحبه ملك ملوك أفريقيا. هو أيضاً يسحل شعبه ويقتله بالرصاص الحي ويرفض أي مبادرات تنتهي برحيله الفوري كما يريد الشعب اليمني. تصوروا.. شعب لا يريد رئيسه ويطالبه بالتنحي فيرد أنه لابد أن يطمئن أولاً علي أن مقاليد السلطة ستسلم إلي يد أمينة وأن يتم تسليم السلطة بشكل سلس وسلمي وآمن. حتي مبادرة مجلس التعاون الخليجي فقد رفضها كما رفضتها المعارضة.. لكن هناك فرقاً بين الرفضين. المعارضة رفضتها لأنها تمنح "الشاويش" حصانة تحميه من الحساب علي جرائمه وهو يرفضها لأنها تنص علي الرحيل الفوري. فعلاً.. دم بارد وتمسك بالسلطة إلي آخر مدي.. لأن السؤال المنطقي هنا: وأنت مالك يا بارد بالسلطة إذا كانت ستسلم إلي يد أمينة أو غير أمينة. سلمها ولا دخل لك بأي شيء. لكنه.. يريد أن يطمئن علي رقبته هو.. أن يتسلم السلطة أحد أتباعه.. وبالتالي لا يكون هناك جديد. إنه يحاول تطويل عمر الأزمة بالمراوغة والضمانات والأيادي الأمينة التي يطالب بها. قد يتساءل أحد: أن المعارضة لم تترك له "مخرج" وبالتالي هو يدافع عن حياته الآن.. فماذا يفعل غير ما يفعل؟ وأقول: كان لديه أكثر من مخرج قبل المجازر التي ارتكبها في العديد من المحافظات.. وكان يمكن أن يخرج خروجاً آمناً ومشرفاً.. لكن عشق السلطة تعمي الأبصار والبصائر. *** الآن.. يجب أن يتعظ كل من القذافي وصالح.. وأيضاً بشار الأسد في سوريا بتصاعد ونتائج ثورتي تونس ثم مصر. ويجب أن يتعظوا أكثر بلوران جباجبو الرئيس الايفواري الذي انتهت ولايته ورفض تسليم السلطة للرئيس المنتخب حسن واتارا.. ونهايته المأساوية. فقد تمكنت قوة فرنسية من اعتقاله هو وزوجته ونقلتهما إلي فندق في أبيدجان وسلمته إلي خصمه واتارا. ماذا فعل جباجبو بعناده وطمعه وغبائه؟.. لا شيء.. فهو الآن قيد الاعتقال والمحاكمة والسجن أو الاعدام بسبب جرائمه.. بعد أن كان سيكرم ويشاد به لو أنه سلم السلطة سلمياً من بداية الأمر. إنه عناد كل ديكتاتور.. وغباؤه أيضاً.