يتناغم صوت الشيشة مع صوت صاحب القهوة وهو ينادي صبيه بكوب ماء للأستاذ عبدالسميع وعيناه علي الفيش. يتمخط الأستاذ في منديل ورقي ويساوي النار علي الحجر ويصرخ مرة أخري. مية يا معلم. تأخذه دوامة الأحداث الجارية في العراق وفلسطين. يواري عينيه عن سريالية الاسفلت المتلاحم بأعضاء بشرية. يزداد الجو سخونة. يسعل بشدة وعينا ماسح الأحذية علي حذائه الرث. تعلوه نبرة الحزن علي الأسعار التي زادت قبل زيادة مرتبه في أول يوليو. يشتعل الميدان فجأة بصوت فرامل احدي السيارات التي كادت تدهس صبياً. يطل سائقها من النافذة: ما تحاسب يابن الكلب. تحتضن الفتاة هاتف الميناتل بشوق مشوب بالحذر وعيناها تغالبان لهفة الكلمات المنسابة في أذنيها. يتوحد قائم التليفون العمومي مع ساقي الفتاة. يخرج عمودا دخان من منخاريه وهو يديم النظر إلي قائم الميناتل. يضع صبي القهوة كوب الماء أمامه وهو يغني: المية يا أستاذ وعليها عود ريحان. تجمع بعض المارة. حملوا الصبي بعيداً. اوقفوه. تحسسوا جسده النحيل. الحمد لله الولد سليم. تناول أحدهم كوب الماء وناوله للصبي. تتندي من ثغر الفتاة ابتسامات ذات معني. تمسح بمنديلها أعلي شفتيها فتزداد الشفتان احمراراً. سنواته الخمسون تزداد اتساعاً في رأسه. تنتشي في أعضائه بعض فحولة مختزنة. ينفث دخانه ليصنع مع الفراغ قلوباً صغيرة. يمتلئ فراغ رأسه بالنشوة. يلثم الهواء الساخن المتصاعد من كابينة الميناتل. يضع قدماً فوق قدم ليواري انفلات الرغبة الجامحة من عينيه: تمسح يا أستاذ؟ يشيح بيده الخالية من الارتباط العاطفي. بينما تتوالي دفقات الدم في الأوردة. اشتعلت جمرة الشيشة تمسح يا أستاذ؟ تضع الفتاة السماعة في رفق وتسوي شعرها وتلملم اعتلاء صدرها بكلمات التليفون المنسابة في الأفق: يا أستاذ . يدس وجهه بدخان الشيشة. ويبحث عن كوب الماء ليفرغ فيه نظرات الآخرين. حسن حلمي عبدالغني قها قليوبية