يعتبر الفنان الفرنسي "كامي بيسارو" من مشاهير فناني القرن التاسع عشر وله بمتحف محمود خليل ست لوحات فقد ساهم في اكتشاف الأسلوب التأثري في فن الرسم وهو الأسلوب الذي ينقل الفنان من خلال تأثره بالمنظر الذي يراه دون أن يضيف أي شيء من معلوماته السابقة عن هذا المنظر.. ولهذا استخدم الفنانون التأثريون ألوانهم لتسجيل الأضواء التي تظهر العناصر سواء كانت في الصباح أو خلال النهار أو عندما يحل الظلام.. وهذا الأسلوب يماثل الأسلوب الطبيعي في الأدب إلا ان الأدب الطبيعي كان يتناول أحوال الطبقات الدنيا غير المهذبة بينما الرسم التأثري يبعث علي البهجة والتفاؤل. الفنان كامي بيسارو كان متأثراً بأسلوب أستاذه "كوروه" ثم تخلص من انجذابه لأسلوب أستاذه عندما اكتشف عالم الفنانين التأثريين.. فبدأ باستخدام سكين الرسم بدلا من الفرشاة فرسم لوحات خشنة عنيفة ثم اتجه إلي رسم لوحات فيها ليونة ورقة.. وفي عام 1869 نقل مرسمه إلي قرية فرنسية قرب الحدود الألمانية واستمر في عمله الذي أصبح رقيقا وكانت حساسيته للمنظر الطبيعي واضحة. في عام 1870 أعلن "بيسارو" انه حذف اللون الأسود من مجموعة ألوانه وانه كف عن استخدامه تماما علي اعتبار ان ما يصل إلي عيني المشاهد هو أضواء بينما اللون الأسود يمثل الظلمة أو اللاضوء أو اللالون.. وهكذا اقتصرت ألوانه علي الأحمر والأصفر والأزرق ومشتقاتها المباشرة علي اللوحة.. ولكن ما هي إلا شهور حتي قامت "الحرب السبعينية" فهرب بيسارو إلي انجلترا تاركا مرسمه الذي حوله الألمان إلي محل جزارة وكانوا يستخدمون لوحاته - علي ما يروي - في لف اللحوم وفرش الأرضية القذرة وهكذا ضاعت 1500 لوحة من أعماله في تلك المبكرة الهامة ولم يعثر بعد عودته إلا علي 40 منها استطاع إنقاذها ولكنه في انجلترا التقي بزميله "كلود مونيه" الذي كان هاربا من الحرب مثله وسعدا بهذه الصحبة في زيارة المتاحف والرسم في الهواء الطلق واكتشافهما للفنانين الانجليزيين "جون كونستابل" و"تيرنر" اللذين تميزت أعمالهما بالاهتمام الشديد بالأضواء في الطبيعة ورسمها من خلال ألوان مباشرة بغض النظر عن واقعها الشكلي المعروف. وعندما استقرت الأحوال في فرنسا واستولي الجمهوريون علي مقاليد الحكم عندئذ أخذ الرسامون يعودون الواحد تلو الآخر إلي باريس وضواحيها.. وعاد "بيسارو" إلي إقامة مرسم جديد في قرية "بونتواز".. وهناك جمع حوله مجموعة من أصدقائه الفنانين الذين اشتركوا سويا في عام 1874 في المعرض الأول لجماعة التأثريين. فن "بيسارو" بحق تاريخ المذهب التأثري في الرسم.. كما كان رقيقا مع زملائه ومعاونا لهم في الضيق وكان أشد التأثريين تواضعا وتفتحا للجديد حتي انه عندما بلغ سن السادسة والخمسين أقبل في حماس الطفل علي تعلم أسلوب الفنان الشاب "سيرا" التنقيطي لينهج علي منواله وهكذا اتبع الأسلوب التنقيطي أو التقسيمي أربع سنوات كاملة. هذا الأسلوب يقوم بتحليل ما يشاهده الفنان في الطبيعة من ألوان إلي عناصرها الأولية المتمثلة في ألوان الطيف وبدلا من خلطها قبل وضعها في مكانها علي اللوحة أخذ يضعها مباشرة علي السطح في شكل لمسات صغيرة أو نقط متجاورة حتي تتولي عين المشاهد عملية مزجها عندما ينظر إليها من بعيد ولا يكتشف انها مفككة محللة إلا إذا اقترب من الشكل وأمعن في تفاصيله النظر. وكان من شأن هذا الأسلوب التنقيطي أو التقسيمي ان يكسب الألوان مزيدا من التألق والنضارة والإبهار.