لكل ثورة نجاحاتها ومكاسبها.. وأيضاً أخطاؤها وخسائرها.. نعي ذلك جيداً ومستعدون لتحمله كاملاً. لكن.. هناك أمور لا يجوز فيها أبداً التساهل أو الوقوف موقف المتفرجين بأي شكل من الأشكال مهما كانت النتائج خاصة إذا كان الأمر يتصل بالقوات المسلحة صمام الأمان في هذا البلد. وبعيداً عن حسابات المكاسب والخسائر والتصويبات والأخطاء التي ندركها جميعاً ولم تعد خافية علي أحد.. تعالوا نتحدث عن ثلاثة أمور تفرض نفسها الآن علي الساحة وهي محاولات الإساءة للقوات المسلحة. وشخصنة النظام السابق. ومعدن الإنسان المصري عند الشدائد. انها أمور تحتاج إلي إمعان نظر.. وبصر وبصيرة.. وأيضاً.. فكر رائق وعقل. تعالوا نبتعد قليلا عن ناتج العملية الحسابية "25 * 25" المتمثل هنا في حجم المكاسب والخسائر لثورة "25" يناير في "25" يوماً مضت. فالمكاسب هائلة جداً.. والخسائر فادحة جداً.. وكلنا يعلم هذه وتلك ولا يحتاج إلي إعادة تذكرة بها.. فالمطلوب منا جميعاً أن نثمن وندعم المكاسب ونقلل من الخسائر قدر استطاعتنا. اليوم.. أحاول نقل صورة حية مما يتحدث فيه الناس علي اختلاف اتجاهاتهم.. لأنها قضايا تشغل الكافة وتفرض نفسها علي مجالسهم في البيوت. * * * ** القضية الأولي: قالوا.. قد نسكت ونعطي الوقت للحكومة لتوفير المطالب الأساسية للمواطنين. أو لتعديل الدستور. أو لإجراء انتخابات برلمانية حرة. أو لإلغاء قانون الطوارئ. أو لزيادة الحد الأدني وخفض الحد الأقصي للأجور. أو لمحاولات القفز علي أكتاف الثورة. أو للانتهازيين المبتزين. أو للمتطاولين بلا سند الذين يخوّنون ويسرّقون الجميع.. لكن لا يمكن أبداً أن نسكت لحظة علي التعمد في تشويه القوات المسلحة. رأينا في اليومين الماضيين محاولات مكشوفة وحقيرة لدق اسفين بين القوات المسلحة والشعب.. لكن الشعب أذكي من ذلك ودائماً يعطي الفضل لأصحابه ويقول.. إلا القوات المسلحة. لا ينسي الشعب أبداً أن قواته المسلحة هي التي أمنت مظاهراته في ميدان التحرير وأمام مقر الرئاسة. .. ولا ينسي الشعب أبداً أن قواته المسلحة أعطته الأمان والطمأنينة وكانت سياجا وحاميا له وهو يهتف لاسقاط النظام. .. ولا ينسي الشعب أبداً ان قواته المسلحة وعدته بتصحيح الأخطاء وتنفيذ طلباته وبدأت فعلاً. وبمحاسبة الفاسدين الفجرة وبدأت أمس الأول في تكبيلهم بالكلابشات واقتيادهم إلي سجن مزرعة طرة.. والبقية في الطريق. .. ولا ينسي الشعب أبداً ان قواته المسلحة تعاملت معه بمنتهي المودة والحب وكانت تمد المتظاهرين بالطعام والمياه.. وكان الطرفان نسيجاً واحداً في المظاهرة. .. ولا ينسي الشعب أبداً ان قواته المسلحة أفرجت عن كل المعتقلين في المظاهرات ماعدا المتهمين الجنائيين. انها بعض من كل ما قدمته القوات المسلحة للشعب علي مدي أيام الثورة.. فهل هذه القوات التي فعلت كل هذا يمكن أن تخطف أو تخفي أحداً استناداً إلي ادعاءات إحدي منظمات حقوق الإنسان؟ من أين جاءت تلك المنظمة بهذه الفرية وهذا الإفك والضلال؟ موقف غريب وشاذ فعلاً لا يستحق ناقله التعليق.. لولا ان الموضوع وراءه أغراض دنيئة وقذرة. من يتحدث عن القوات المسلحة.. إما أن يكون محترماً ومهذباً وغير مغرض.. أو ليسكت.. وإلا سيكون الرد عليه في منتهي العنف والقسوة. * * * ** القضية الثانية: البعض يهاجم النظام السابق في صورة "الرئيس السابق حسني مبارك". والبعض الآخر يهاجم أيضاً النظام السابق لكنه لا يشخصن القضية وبالتالي لا يمس شخص مبارك بل يشيد به ويطالب بتكريمه. حجة البعض الأول أن مبارك كان رأس النظام بل هو النظام نفسه. وحجة البعض الثاني وأنا مع رأيه أنه لا يجوز أبداً اختزال "النظام" في الرئيس مبارك.. لأن النظام يعني حكومة ومجلس شعب ومجلس شوري ورجال أعمال وأحزاباً سياسية خاصة حزب الأغلبية ورأس نظام. وعندما أصرت ثورة 25 يناير علي اسقاط النظام.. فإنما كانت تعني كل ذلك. الثورة في الأصل لم تكن ضد مبارك فقط.. بل ضد الكل.. حيث رأت أن الفساد قد عشش في كل جنبات الوطن. ضد.. وليس كراهية بدليل أن شباب 25 يناير "أصل الثورة" عندما ظهروا في التليفزيون أكدوا أنهم تأثروا ببيان الرئيس مبارك في أول فبراير وارتضوا بقاءه لإجراء التغييرات المطلوبة.. إلا أن موقعة "الجمل والحصان" في اليوم التالي التي رتبها وحرض عليها "مجرم" من مجرمي النظام لأهداف شخصية قلبت الموازين وكتبت النهاية حيث تحول التعاطف مع الرئيس إلي إصرار علي تنحيه هو شخصياً.. وبالفعل تنحي إنقاذاً للبلد وهو موقف يحسب له.. وابتعد نهائياً عن المشهد يتألم من المرض ومن توابع أطماع المقربين منه والمنتفعين من حوله.. لا سامحهم الله جميعاً.. فقد دمروا البلد.. وتسببوا في إهانة رئيس الدولة بدلاً من تكريمه وهو في أخريات حياته. ما أراده الله كان.. وحتماً هو خير لمصر لو أحسن استثماره. * * * ** القضية الثالثة: بعيداً عن كل هذه الهموم التي توجع القلب وتثير الشجون وتخلق النكد.. هناك مشاهد مفرحة تجعلنا نقول إن اليوم أفضل من الأمس. وأن الغد أكثر إشراقاً من اليوم. ليس هناك شارع ولا ميدان.. إلا وتجد شباب المنطقة وفتياتها وأطفالها.. يمسكون المقشات والجواريف والأكياس لتنظيف منطقتهم. ويحملون جرادل الألوان لتخطيط بلدورات الأرصفة باللونين الأبيض والأسود.. وهناك رجال يجلسون علي منضدة لجمع التبرعات وشراء مستلزمات النظافة. جهد ذاتي متواصل وعمل دءوب وإصرار علي أن يفعلوا شيئاً جيداً ومهماً للوطن. أحياناً.. وأنا أمر من أمامهم أري فتاة تمسك "مقشة" بطريقة خطأ مما يؤكد أنها لا تفعل ذلك في بيتها.. ومع هذا.. نزلت بمحض إرادتها وقناعتها لكنس الشارع.. لماذا؟ إحساساً منها أنها تؤدي مهمة قومية وطنية خالصة لوجه الله والوطن. مشهد يجعل الإنسان ينتشي ويفرح بأبناء وبنات وطنه.. ويعطي صورة للعالم كله إن الإرادة المصرية عندما تشاء فإنها تفعل المستحيلات.. إرادة صلبة وقادرة وعفية وتواجه التحديات بمزيد من التحدي والإصرار. أنا شخصياً.. فخور بأبناء وبنات وأطفال مصر.. بلدي.. أم الدنيا.. رغم أنف الحاقدين. انتباه... * هناك قلق شديد من الكلام الذي وجهه الشيخ يوسف القرضاوي أمس للمتظاهرين في خطبة الجمعة بميدان التحرير. القلقون أشاروا إلي ان كلام الشيخ يحمل العديد من الرسائل الخطيرة والتي لا يجب أن تمر هكذا. لكن.. الكثيرون هونوا من هذا القلق.. وقالوا إننا اليوم غير الأمس.. فمن حق الناس- كل الناس- أن يقولوا رأيهم في حرية وصراحة ودون خوف.. إلا إذا كان هذا الرأي يمس الأمن القومي المصري.. هنا فقط نقول للمتحدث- أياً كان- لا.. قف مكانك. * بالأمس.. وفي ميدان التحرير أيضاً.. منع الإخوان وائل غنيم صاحب الدور القيادي في ثورة 25 يناير من الصعود إلي المنصة المعدة لإلقاء كلمات المتحدثين من فوقها. السؤال: هل هي رسالة من الإخوان يريدون توصيلها للكافة بأنهم يسيطرون علي هذه الألوف المؤلفة المحتفلة بنجاح الثورة.. أم أن الثورة ثورتهم؟ * عندما رأيت الفاسدين الأربعة أحمد عز وحبيب العادلي وأحمد المغربي وزهير جرانة وهم ينزلون من سيارات الترحيلات في السجن والكلابشات في أيدي بعضهم.. أخذت أردد قوله تعالي: "قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك علي كل شيء قدير".. آل عمران- .26 آه.. لو يعتبر الناس!!