"إنني قريب من القبر. وعندي 61 عاماً. وسأنزل إلي قبري وحدي. وسأجلس للحساب. ولن ينفعني أحد. فماذا سأقول؟" بهذه الكلمات الكاشفة بدأ المستشار محمود كامل الرشيدي رئيس محكمة جنايات القاهرة أولي جلسات إعادة محاكمة الرئيس السابق حسني مبارك. وعندما هم بعض الحاضرين بالتصفيق إعجاباً وتقديراً لما قاله المستشار الرشيدي منعهم قائلاً: إن من يملك المدح يملك الذم. مؤكداً أن القضاء لا شأن له بالسياسة. كلمات المستشار الرشيدي تؤكد ان القاضي يصم أذنيه عن كل الاتجاهات والآراء السياسية التي تحيط بقضايا الرأي العام خاصة في مثل القضية التي يعاد فيها محاكمة الرئيس السابق ومن معه بتهمة قتل المتظاهرين في أحداث ثورة يناير.. والتي انقسم فيها الرأي العام ما بين مدافع عن الرئيس السابق وحانق عليه ومطالب بتغليظ عقوبته. القاضي الرشيدي أكد من خلال كلماته البسيطة النابعة من وجدانه انه وزميليه في المحكمة يضعون "الله وحده" نصب أعينهم. وما ترتاح له ضمائرهم دون تأثر بما يجري حولهم من مشاعر مضادة للمتهمين أو متعاطفة معهم. ومن هنا يجب ان يرتضي الجميع الحكم الذي سيصدر بصرف النظر عما إذا كان قد صادف هوي البعض أو خالف هوي البعض الآخر.. وان يثقوا ان الحكم أياً كان هو عنوان الحقيقة التي ارتضاها القضاة من الأوراق والشهود وكل الأدلة سواء أكانت ثبوتية أو نفياً. علي أن ما يهمني في كلمات هذا القاضي الجليل صاحب المقام الرفيع وهو المغزي الذي استهدفه وان أي مسئول وكل راع يجب أن يضع نصب عينيه في كل تصرف يصدر منه ان مصيره الموت مهما طال الأجل. وانه سوف يقف بين يدي رب العزة في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتي الله بقلب سليم. كم من المسئولين في الدولة يتخلي عن أطماعه فيما لا حق له فيه؟! كم منهم يرعي الله في كل تصرفاته؟! كم منهم يعترف بأنه أخطأ وانه تاب وأناب لله؟! وأنه قاب قوسين أو أدني من المثول أمام رب العزة لا ينجيه من عذاب الله إلا أعماله الصالحة. نحن نعيش عصراً غريباً يأكل القوي فيه حق الضعيف.. ويتجبر المسئول علي من هم مسئولين منه.. ويلتف فيه الناس علي الحقيقة.. عصراً انقلبت فيه الأوضاع رأساً علي عقب. وضاع فيه الحق وانتشر الباطل.. عصراً شاع فيه الغش والتدليس. والكذب والنفاق.. بل أصبح الناس يكذبون وكأنهم يتنفسون الهواء. أين نحن من كلمات القاضي الجليل المستشار محمود الرشيدي؟ أين نحن من قيم الإسلام الحنيف؟! أين نحن من يوم نقف فيه فرادي أمام رب العزة؟! ليتنا جميعاً نتعظ.. وليتنا جميعاً نفهم.