يبدو ان مظاهر الانفلات قد أصابت حياتنا في كل المجالات. حتي ان الشوارع تحولت إلي ساحات ومخيمات للباعة الجائلين فلا موضع لقدم وكأنك في سوق بلا صاحب. الميادين التي كنا نتباهي بها انضمت إلي المناطق العشوائية بصورة تدعو للأسي والاحباط. كل شخص يفعل ما يريد وكأن القانون أصبح في اجازة مفتوحة ولا أحد يدرس حتي يعود المرء يمضي حزينا حين هذه "اللخبطة" قد أعادتنا إلي عصور التخلف والهمجية. الأحوال تبدلت بصورة مخيفة وكأننا قد تناسينا تاريخنا في بناء النهضة والاستقرار. نتراجع للخلف الكل مشغول بنفسه يفعل ما يريد في غيبة القانون وكأننا في غابة بلا ضوابط لردع هؤلاء العابثين بحياتنا! لم يكن أحد يتصور انه في يوم من الأيام ان دور العلم سوف تتحول إلي ساحات للمعارك والكر والفر بين الطلاب وجماعات اقتحمت الجامعات واستباحت هذه الساحات العلمية. السلاح الأبيض وغيره تسلل إلي حلقات العلم والدرس. انتشرت الفوضي ولم يفلح رجال الأمن المدني في السيطرة علي الموقف. ان ما جري في الجامعات ابتداء من جامعة الأزهر حتي جامعتي عين شمس والمنصورة تدمي القلوب وتدق ناقوس الخطر وتنذر بأن الدراسة قد أصابها الشلل وان عدوي الانفلات سوف تمتد إلي أماكن أخري أشد بأسا في غيبة الأمن والانضباط. حقيقة ان الجامعات قد تبدلت أحوالها التيارات السياسية اقتحمت مواقع الدراسة ويكفي أن نلقي نظرة علي انتخابات اتحادات الطلاب. الصراعات علي أشدها هؤلاء مستقلون وأولئك من تيار آخر رغم ان دور العلم يجب أن تكون بمنأي عن تلك الصراعات وان يتفرغ الطلاب للبحث العلمي وتحصيله ولتكن هذه الصروح بعيدا عن نزعات الشقاق والاختلاف. احداث الجامعات أصبحت لا ترضي أحدا وتتنافي مع طلاب العلم بناة المستقبل. ولا شك ان هذا العنف قد أدي إلي اصابة العشرات ورغم ان الدكتور مصطفي مسعد وزير التعليم العالي قد قام بزيارة إلي جامعة عين شمس في محاولة للتهدئة لكن للأسف بعد مغادرة الوزير للحرم الجامعي تحولت الساحة إلي العنف ويكفي ما شهدته الجامعة من تمزيق لبعض اللافتات ولعل المخيف ان الاشتباكات دارت من تجديد وظهرت الأسلحة البيضاء وناهيك عن الذعر الذي أصاب الطلاب علي اختلاف مواقعهم الداسية مما دفعهم إلي الاستغاثة برجال الشرطة العسكرية كمن يتشبث بأي قطعة خشب للانقاذ من الغرق. مأساة شديدة اليأس بكل المقاييس! ان القلب قد اعتصره الألم عندما ترامي إلي سمعي حديث رئيس جامعة المنصورة وهو يعبر بكلمات غاضبة عن هذه المجموعة التي اطلقت علي نفسها لقب "الأحرار" وتحولت ساحة العلم إلي عنف متبادل بين أفراد هذه المجموعة والطلاب الذين اشتبكوا معهم وكأن الجميع في معركة دون التفات إلي قدسية هذا المكان وضرب ووقاره في مقتل. كما أن ما جري من طلاب جامعة الأزهر والهتافات التي نادت بإقالة رئيس الجامعة ونوابه وليت الأمر اقتصر علي ذلك وإنما امتدت الهتافات لتنال من الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر. تصرفات وأعمال مريبة لا تليق بطلاب العلم. الأكثر غرابة ان بعض الطلاب قد اعتدي علي رئيس جامعة عين شمس الدكتور حسن عيسي لدرجة ان رجال الأمن المرافقين له قد اشتبكوا مع هؤلاء الطلاب. فهل هذه الأعمال تليق ومكانة الجامعة المقدسة؟ وهل ترك الطلاب دروسهم وتفرغوا لهذه الأعمال التي تجاوزت كل التقاليد المتعارف عليها بين الطالب والأستاذ وهل أصبحت دور العلم تحت سيطرة هذه المجموعات؟ إلي متي سوف تستمر هذه المظاهر الدخيلة علي محراب العلم وتحصيل الدروس؟ ومما يضاف إلي هذه الحصيلة من أعمال العنف ان طلاب كلية الصيدلة بجامعة القاهرة قد تخطوا كل الحدود حيث قاموا بمنع اعضاء هيئة التدريس من الدخول بالاضافة إلي مسيرات تتسم بأساليب تتنافي مع قدسية طلاب العلم أيا كانت المخالفات التي وقعت بالمدن الجامعية. هناك وسائل أخري بديلة أكثر حضارة تتناسب مع أهل العلم. هذه الأحداث وتداعياتها تثير الكثير من علامات الاستفهام والعديد من التساؤلات في مقدمتها هل يعود الحرس الجامعي مرة أخري إلي الجامعات ومواقع الكليات لتحقيق الانضباط وتهيئة دور العلم للأبحاث والدراسات في مختلف فروع العلم؟ وهل هذه الساحات سوف تظل مفتوحة علي مصرعها أمام الميلشيات والمجموعات كما رأينا؟ وما هي الإجراءات التي سيتم اتخاذها لإعادة الاستقرار وتحقيق الأمان للطالبات قبل الطلاب؟ وما هو الموقف حيال هؤلاء الذين حولوا الجامعات إلي العنف والاقتتال؟ أعتقد ان هذه التداعيات تتطلب مواجهة حاسمة قبل أن يفلت الزمام بصورة لا يمكن السيطرة عليها في المستقبل. ولابد من مبادرة للقضاء علي هذه الأعمال غير الشرعية. وأن ما أشار إليه وزير التعليم العالي بمخاطبة وزارة الداخلية لتدريب أفراد الأمن الإداري لا تكفي للحفاظ علي الأمن وعودة الحياة الجامعية آمنة مستقرة. خاصة ان هؤلاء الافراد قد وقفوا عاجزين أمام هذه الميلشيات التي اجتاحت الجامعات ولم تفلح جهودهم في السيطرة علي الموقف كما انهم بلا سلاح يدافعون به حتي عن أنفسهم. وكانت الصورة خلال الأحداث تدمي القلب وتحرك مشاعر الغضب ويكفي أن بعض أولياء الأمور قد منع بناته من الذهاب للجامعة خوفا علي حياتهن!! الأمر يتطلب وقفة جادة لحسم هذه التداعيات حتي لو افترض الأمر عودة الحرس الجامعي إلي الجامعة والكليات المختلفة وفق ضوابط جديدة بحيث تعود للجامعات مظاهر الأمن والأمان. ويتحقق لابنائنا وبناتنا الاستقرار واتاحة الفرصة أمامهم للابداع والابتكار. الأمر جد خطير ولابد من إجراءات حاسمة سواء بعودة الحرس الجامعي أم بأن يتم تهيئة أفراد الأمن المدني بصورة تكفل الاستقرار لدور العلم. وعدم تكرار هذه الأحداث مرة أخري. نأمل أن نري في القريب العاجل إجراءات تعيد الانضباط لهذه المواقع العلمية بعيدا عن الروتين والمماطلة الأمر لا يحتمل الانتظار!