أصبح أمراً مملاً ومقززاً بحق أن يتبرع أناس من تلقاء أنفسهم ويتقدموا ببلاغات ضد أشخاص أو هيئات أو مؤسسات أو جهات دون أن تكون لهم أية مصلحة تذكر من وراء هذه البلاغات. وحتي أكون محدداً لضيق المساحة.. فإنني أخص هنا بالذكر تلك البلاغات المقدمة لغلق قنوات تليفزيونية بعينها أو لوقف برامج بذاتها.. ومتي.. ؟؟ بعد ثورة كانت "الحرية" هي البند الثاني من شعارها التاريخي. لذا.. فإن حكم القضاء الإداري أمس الأول الذي رفض غلق إحدي القنوات التليفزيونية الخاصة ووقف أحد برامجها الشهيرة قد أعطي درساً في أسس التقاضي ويستحق أن يكون نموذجاً يجب أن يُحتذي في كل الدعاوي المشابهة.. وما أكثرها. اعلم جيداً ان هناك فرقاً كبيراً بين الحرية والفوضي. وبين حرية التعبير وإباحة التطاول.. وكلامي الذي ذكرته آنفاً ليس معناه أبدا أن نترك من يتجاوز أو يتطاول علي أحد بدعوي الحرية.. بالعكس.. انني مع المحاسبة واسترداد الحقوق.. بشرط أن يطالب بها أصحاب الحقوق أنفسهم وليس المتبرعون أو راغبو الشهرة أو المتمسحون بالنظام أي نظام لاثبات الولاء أو لتحقيق مصالح خاصة أو حتي لأغراض أخري في نفوسهم. المفروض أن يكون الانتصار للحرية أسلوب حياة. وثقافة مجتمع. وأساس حكم. ودعامة معارضة مثل كل بلاد الدنيا المحترمة.. فإذا كانت المادة الإعلامية صحفية أو تليفزيونية لا خروج فيها ولا تطاول.. فخير وبركة. وإذا تجاوزت حدود النقد المباح فعلي صاحب الشأن المضار منها أن يقاضي بنفسه اؤكد بنفسه هذا التجاوز ويحصل علي حقه منه بالقانون.. سواء كان صاحب الشأن رئيساً. أو وزيراً. أو مسئولاً. أو مواطنا عادياً.. لا فرق. من هنا.. فإنني ضد كل قضايا الحسبة التي أقيمت لغلق قنوات خاصة بعينها بحجة انها ضمن منظومة الإعلام الفاسد المضلل. وأيضا ضد القضايا المثيلة التي تطالب بغلق قنوات دينية بدعوي التطاول والتشهير بفنانين وشخصيات عامة. باختصار.. أنا ضد غلق القنوات والصحف بوجه عام مهما كان الجُرم وحتي لو أدينت فعلاً.. وهناك طرق أخري لاسترداد الحقوق ومحاسبة المخطئين بدون غلق.. مثل الغرامات والتعويضات. ان غلق نافذة إعلامية أو صحفية جريمة كبري تصغر أمامها جرائم السب والقذف والتطاول والإهانة والتشهير رغم فداحتها. واؤكد.. انه إذا استمر التربص بالإعلام والصحافة بهذا الشكل الفج وتركنا كل من ليست له مصلحة يطارد أرباب المهنة في المحاكم بلا سند قانوني لوأد حرية التعبير وخنق الكلمة في الحلوق وتكميم الأفواه وكأن لا ثورة قامت ولا شهداء سقطوا من أجل الحرية.. فيؤسفني القول ان النتائج ستكون كارثية بحق.