شجعتني متابعتي لما تتناولوه في نافذتكم الجديدة ".. وتستمر الحياه" من قصص انسانية يبحث فيها معكم أصحابها عن كيفية الخروج من دائرة اليأس والاحباط. شجعني ذلك أن أبعث إليكم بقصة سيدة لم تختلف في عطائها وحبها للآخرين عن صاحبة قصة "لهيب الماضي والنسب الضائع" التي عرضتموها منذ أيام عبر هذه النافذة.. ففي لهيب الماضي قدمتم نموذجاً لسيدة فوق العادة- زوجة الخال- التي نجحت باقتدار في تحويل واقعها المرير إلي واقع رحيم يتسع لرعاية طفلين آخرين بخلاف أبنائها متحملة في ذلك كل الصعاب وأقصاها كيفية إثبات نسب أحدهما- وهي البنت- واستخراج شهادة ميلاد لها- تساعدها علي اللحاق بفصول التعليم قبل ضياع الفرصة بحكم السن! أقدم لكم اليوم نموذج "زينب" تلك التي كانت تحمل قلباً يشبه قلب طفل في براءته.. وتلك التي جعلت شعارها في الحياة ما استحق أن يولد من عاش لنفسه.. فرغم الحرمان الذي ظل يرافقها في كل مراحلها العمرية لم تستسلم لمشاعر الإحباط والحزن وإذا كان الله اختارها لان تكون وحيدة أبويها فلا أخ أو أخت يؤنسان وحدتها ويشاركانها نجاحاتها بل ويتشاجران معها ان لزم الامر فانها رفضت ان تدخل تحت مظلة تلك المشاعر السلبية ورضيت باقدارها تمام الرضا بلا سخط أو ضجر وراحت تتخذ من زميلاتها بالمدرسة وجاراتها شقيقات وصديقات فضلاً عن قريباتها من نبات العائلة فملأن عليها حياتها وعوضنها عن كثير. ثم كانت زينب علي موعد مع الحرمان الثاني فبعد ان رزقها الله بالزوج الطيب الذي كان له حظاً من اسمه وهو "حسن" انتظرت ان يمنحها الله ذرية صالحة من البنين والبنات لكنها أدركت مع طول الانتظار وكثرة ترددها علي عيادات الاطباء بأنها لن تنجب أبداً.. هنا لم تجلس ابنه أختي لتنعي حظها بل همت لتبحث عن الاطفال اليتامي بالمنطقة التي تسكن فيها بالاسكندرية.. ويوم بعد يوم وصل عدد الايتام الذي تكفلهم عشرة وأخذت تحنو عليهم وتوفر لهم كل الاحتياجات يشاركها في هذا العمل النبيل زوجها الخلوق ليقاسمها الاجر والثواب بإذن الله. كم كانت "زينب" تشعر بالسعادة وهؤلاء الصغار ينادونها بكلمة ماما.. وزاد قربها منهم وتواصلها معهم بعد وفاة والديها لدرجة انها عندما كانت تأتي لزيارتي وأسرتي بالخطاطبة لم تكن توافق أبداً علي المبيت وتصر علي العودة إلي الاسكندرية في نفس اليوم وبسؤالها عن سر الاستعجال تقول: ولمن اترك أولادي؟ وذات مساء جاءني نبأ وفاتها.. سافرت لأكون في وداعها فرأيت من يبكون عليها في حرقة ومرارة ومن يتسابقون إلي حمل نعشها.. تساءلت من هولاء؟ قالوا "إنهم أولاد ماما زينب"!! نموذج "زينب" أهديه لكل من ابتلاه الله ان يعيش وحيداً بلا أشقاء أو أبناء.. ورحم الله إبنة شقيقتي. أحمد جعفر - المنوفية * المحررة: بداية اشكر صاحب هذه الرسالة- وهو بالمناسبة من القراء الدائمين للمساء- علي وفائه المحمود لذكري ابنة اخته ليثبت بحق ان الخال والد.. ومثلما أهدانا هذه التجربة الانسانية الرائعة ليشد به من أذر اصحاب الابتلاءات واليائسين ويقدم لهم نموذج زينب التي نظرت لاقدار الله فيها بصورة مختلفة صورة يألفها الانسان المؤمن القانع بكل شئ.. ولم لا وقد غنمت ترف العيش في كتف أبوين منحاها من التدليل والاهتمام ما كانا يستطيعان علي إعطائه لها في حالة وجود أشقاء. ولم لا وقد رزقها الله بالزوج الطيب الذي لا ننكر عليه أبداً انه كان سبباً رئيسي في اجتيازها لموجة الحرمان الثاني التي عبرت حياتهما بعدم الانجاب. حيث شاركها مشروعها في كفالة الايتام وأخذ يبارك خطواتها ويدفعها لمواصلة الطريق. ثم أليست زينب كانت أكثر النساء حظاً حين جنبها الله متاعب الحمل والولادة وأهداها قرات عين حفظوا لها جميل صنيعها بهم فلم يبخلوا عليها بكلمة "ماما" ولم يفارقوها يوماً حتي أذن الله لها بالرحيل.. قارنوا بينهم وبين غيرهم مما أذاقوا آباءهم مرارة الحقوق لتعلموا كم كانت "زينب" أوفر حظاً وسعادة من غيرها.. وهذا ما أدركته هي جيداً ما جعل الحياة تضي بها بأقل المتاعب والمنغصات.. رحمها الله بشائر "أبوزهرة" يقبل الوساطة .. وظالم البنات.. يبكي!! * الأب المحطم "ف-س" صاحب مأساة "لست أباك يا زهرة" وسارع بالاتصال بي عقب نشر قصته عارضاً قبوله العرض الكريم الذي تلقيته من بعض أقارب ابيه التوسط بينه وبين زوجته لاسترداد منزله وفي حال فشل التدخل الودي سيتكفلون بتوفير المحامي الذي يباشر قضيته حتي يسترد حقه.. يذكر ان "ف.س" أمضي 25 سنة في الغربة وعندما عاد إلي مصر وجد الكل يديرون ظهورهم له فقد استحوذت زوجته علي منزله بالكامل حتي الشقة التي يقيم بها طردته منه ابنته ليصبح وحيداً داخل اربعة جدران فوق سطوح منزله!! * أما بنات الصعيدي اللائي تناولت قصتهن تحت عنوان "ظلم البنات" فقد أخبرتني كاتبة الرسالة أنما حرصت علي قراءتها لابيها وكانت المفاجأة انه أخذ يبكي وعندما سألته عن أسباب دموعه أجابها: لأن أرملة أخيك لجأت لمقاضاتي لتصنع تحت تصرفها كل الاملاك التي كتبتها باسم حفيدتي! اسقط في يد الابنة المظلومة وراحت تضرب كفاً علي كف وهي تردد "حقا الدنيا سلف ودين"