في الفترة الأخيرة امتلأت الساحة بأحاديث مختلفة. وتعددت الآراء والمقترحات في مواجهة الفتنة التي أراد مثيروها زعزعة الأمة التي عاشت قرونا طويلة بوحدة كانت عصبية علي اختراقها أو النيل من استقرارها. وقد أفاض الكثيرون من محبي مصرنا العزيزة بما يرونه ضروريا لتجاوز آلام وأحزان جريمة القديسين وكلها جهود مشكورة. وآراء بناءة ووقفة مع النفس جديدة بأن تستنهض الهمة الوطنية وتحرك نوازع الخير في النفوس وتهيئة الجميع للتعافي فوق هذا الحادث العارض. أعتقد أنه قد حان الوقت لوقف لغة الكلام والانطلاق نحو العمل الوطني الجاد لمواجهة المتربصين بالأمة المصرية التي قهرت المستحيل وحطمت كل القيود التي حاول الخصوم بكل قوة تكبيل شعبنا من خلالها ولتكن الهمة الوطنية والمنافسة بين كل المصريين في الالتفاف حول هذا العمل من أجل استمرار بناء نهضتنا وعمليات التعمير التي يجب ان تشمل كل ركن من أركان أرض الكنانة من أقصاها إلي أقصاها وتاريخ هذه الأمة حافل بالكثير من هذه الانجازات وتلك الوقفات الوطنية الرائعة التي كانت بمثابة الصخرة التي تحطم عليها التدابير والخطط التي استهدفت النيل من مسيرة شعبنا الطيب الأصيل. وحدة النسيج الوطني هي حائط الصد وستظل قوية بإذن الله علي مدي الأيام وتوالي السنين. وليكن التاريخ مصدر إلهام لكي تمضي المسيرة الوطنية دون معوقات أو الانكفاء علي حدث معين نذرف الدموع علي اللبن المسكوب.. وذاك يدلي بحديث وذاك يلتقط طرف الخيط. الأمم الحية تستلهم الماضي المجيد في دعم العمل الجاد بحيث لا يصبح هناك أي مكان للمنافقين أو المتخاذلين أو مثبطي الهمم. فالثبات في أوقات الشدائد هو أهم الأهداف التي يجب ان تتضافر جهودنا لتحقيقها بعيدا عن الزيف أو الخداع أو المراوغة أو استغلال الظروف لتحقيق أطماع. صالح الأمة فوق كل اعتبار. والاستقرار حق الطريق للبناء والتعمير. تاريخ الأمة العربية والاسلامية حافل بالوقفات الشجاعة لتخطي العقبات والسعي بكل جهد لاضافة انجازات تضاف الي رصيدنا الوطني فعندما حاول الاستعمار البريطاني تفريق أبناء شعبنا تعالي الجميع فوق هذه الأباطيل وتوحدت الجهود وكان صحن الجامع الأزهر شاهدا علي هذه الألفة بين المسلمين والمسيحيين. وانخرط الجميع تحت ظلال هذا الوطن. واندحرت مؤامرات ومخططات الذين حاولوا زرع الفتنة. وتراجع المنافقون والمتخاذلون بعد ان لفظهم الشعب بكل فئاته وطوائفه. ومنذ دخل الاسلام هذه البلاد فالعدالة هي الأساس في التعامل بين أبناء مصر ولا مجال للتفرقة بين انسان وآخر بسبب الدين أو العرق وقد كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب حاسما في مواجهة أي تآمر يستهدف حرمان مواطن من حقه. التقدير والاحترام لكل انسان. احترام المشاعر هي لغة التعامل. فيوم ان نقل الولاه لعمر بن الخطاب أن المسلمين يحتفلون بعيد وفاء النيل ويلقون بإحدي الفتيات فيه كتقليد عرفه القدماء وتوارثته الأجيال. كان التصرف الانساني والذي يتفق مع أصول الثقافة الدينية التي جاءت بها الأديان السماوية والتي تحرص علي حياة الانسان وترفض الانسياق وراء أمثال هذه التقاليد البالية واقترح عليهم وسيلة تضفي مهابة واحتراما لآدمية البشر. وذلك بإلقاء دمية من الخشب كارضاء للمشاعر فقط دون ميل لهذا التقليد وبعث. عمر برسالة إلي النيل مضمونها انك أيها النيل تجري بارادة الله وليس بارادتك. وكان اهتمام أمير المؤمنين بتحقيق الانصاف لكل فرد. ويوم أن ذهب ذلك القبطي يشكو لعمر تصرف ابن عمرو بن العاص حاكم مصر في هذا الوقت الذي ضرب ابن القبطي الذي سبقه بحصانه. وقال له: كيف تسبق ابن الأكرمين فورا استدعي عمر حاكم مصر عمرو ابن العاص وابنه. وتمت المواجهة بينهما الكل علي قدم المساواة وقال لابن القبطي اضرب ابن الأكرمين كما ضربك فالقصاص هو الوسيلة الأساسية في الاسلام وفي كل الشرائع والأديان ثم قال عمر لعمرو: متي استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا كلمات سجلتها كتب التاريخ لتكون خير شاهد علي ان الاسلام لا يعرف التعصب أو التطرف. ومضي القبطي آمنا عزيزا مكرما لم يستطع أي انسان النيل منه ولا حتي بالكلمات. ولذلك التقي المسلمون الذين دخلوا الاسلام ومن استمر علي دينه من الأقباط حول هدف البناء والتعمير وكانوا علي قلب رجل واحد وعدنا لأمير المؤمنين في الجزيرة العربية عندما اشتد القحط هناك فلم يجد غير مصر. اذ بعث برسالة لعمرو بن العاص يطلب فيه امداده بالغذاء والمواد التي تنتجها أرض مصر الطيبة فتكاتف المصريون من الأقباط والمسلمين وبعث عمرو بقوافل تحمل السلع الغذائية من كل الأصناف ومعها رسالة تقول يا أمير المؤمنين: "بعثت اليك بمدد من القوافل أوله عندي وآخره عندك" كلها من عرق وجهد أبناء مصر وما أحلي ان نلتف حول عمل وطني يحقق طموحات شعبنا ويتحدي مؤامرات وثقافات الخصوم الوافدة. وليكن شعارنا جميعا "ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين" عملا وجهدا وعرقا يستعبد الأمجاد. وكفانا كلاما. والله من وراء القصد وهو المستعان علي ما يصفون".