عندما ذهبت "المساء" إلي محافظة أسيوط. حيث كارثة تصادم القطار بالأتوبيس كان سؤال الجميع خاصة في القري التي شهدت سقوط عدد من فلذات أكبادهم من تلاميذ المعهد الأزهري في بني عديات بأي ذنب قتلوا وعن أي شيء يمكن أن نتحدث؟. عن الإهمال الذي وصل مداه. أم عن سنوات من العذاب عاشها أهالي تلك القري ومازالوا يجنون حصاده.. ولأن الحدث الذي كان مفجعاً للجميع وأدمي قلوب المصريين جميعاً. كان لنا اللقاء مع عدد من المصابين وأسرهم بالمستشفي الجامعي بأسيوط وعدد من أهالي القري التي كستها الأحزان بمركز منفلوط. ولم ننس أن نلتقي أسرة عامل المزلقان الذي قررت النيابة حبسه 15 يوماً علي ذمة التحقيق. وكذلك القائم بأعمال أعمال المزلقان. أحد الأهالي استقبلنا قائلاً: أيام ولا نري أحداً هنا.. لقد عانينا الإهمال والفساد. ولولا ما حدث فيها منذ أيام لما نظر إلينا أحد. لأننا ببساطة سقطنا من حسابات المسئولين.. وقبل أن ندخل قريتي الحواتكة والمندرة كان الحزن والأسي يخيم علي وجوه الجميع. فما من مكان أو شارع أو حارة إلا وتشعر بأن أرواح الضحايا الشهداء ترفرف فيها. هكذا كان وصف أحد الأهالي الذي التقيناه. فحجم المأساة التي عاشتها تلك القرية وقرية المندرة تشعر به من عيون الأهالي. ما ذنب حمادة أنور الذي يواصل العمل يومياً وسط متاعب جمة في أن يحرم من رؤية أطفاله الخمس؟! الشوارع تكاد تتحدث عما حدث والمحلات منها ما هو مغلق حزناً علي ما جري ومنها من يجلس صامتاً. حيث يتذكر عم أحمد صاحب البقالة بالمنطقة: أحمد ومحمود ومحمد فقد كانوا بالأمس يلعبون. أما اليوم وغدا فهم عند ربهم ينعمون بالجنة. لقد أصبحوا ذكري. فلن يسمع ضحكاتهم ولعبهم ومرحهم مرة أخري. هكذا سطر لنا في كلامه وطلب أن ندونها ويقرأها الجميع. يضيف: نعم نؤمن بالقضاء والقدر. لكن هناك إهمال يجب أن يعاقب من هو مسئول عنه. يجب النظر إلي القري خاصة قري الصعيد البعيدة عن الحياة. أما عيسي رزق الله -سائق توك توك بالحواتكة- فقال: ما حدث غير معقول. فمنظر الأتوبيس يدل علي حجم الكارثة. بمستشفي أسيوط الجامعي اتجهنا إلي هناك. حيث يرقد المصابون خرج منهم أمس 6 والباقي 11 مصاباً أغلبهم بحالة جيدة هذا ما قالته لنا إحدي الممرضات. ففي العناية المركزة يرقد الطفل عمر ابراهيم عبدالقادر "5 سنوات". ومحمد خلف سعد "5 سنوات". وأحمد خلف عبدالرحمن "6 سنوات". وأحمد ياسر طلعت "6 سنوات" وهم يحتاجون إلي بضعة أيام للشفاء. تحدث أحمد حيث قال: "أنا معرفش اللي جري فجأة وجدنا القطر بيدوسنا كلنا ووقعنا داخل الأتوبيس". تحدث عم الطفل الأول ويدعي سعيد -فلاح- قائلاً: أتمني من المسئولين أن يهتموا ويعتنوا بهؤلاء التلاميذ الضحايا. ما نطلبه من الرئيس مرسي سرعة محاكمة المسئولين عما حدث. وأكد وجود الرعاية والاهتمام الكامل من رئيس الجامعة والأطباء للمصابين. أما ابن عمه محمود فقال: الإهمال السبب. كما أن المعروف جيداً أن عدد الأتوبيس يتسع إلي 29 راكباً. فكيف بالله عليكم يكون داخله 78 تلميذاً؟!.. أكيد هناك أهمال وخطأ جسيم. اتجهنا إلي الغرفة 317. حيث يرقد عبدالرحمن عبدالرحيم عبده "8 سنوات" ثانية ابتدائي بالمعهد. حيث يطل علينا بابتسامة طفل برئ. إصابته خفيفة قال: مش عارف ايه اللي حصل. كنا نلعب ونمرح داخل الأتوبيس وفجأة القطار دخل في الأتوبيس. بكينا جميعاً.. وأكمل والده الذي يعمل أمين شرطة الحديث قائلاً: وكان كل يوم يذهب ابني إلي المعهد كالمعتاد الساعة 30.6 صباحاً. وليلة هذا اليوم عاقبته علي عدم أداء واجبه. وعدم حفظه للآية التي كان من المفروض أن يحفظها بخصم جنيه من مصروفه. وقال لي: معلهش يابا ان شاء الله المرة القادمة سأفعل الواجب وأحفظ القرآن. وخرج هو وابن عمه محمد أحمد عبده "8 سنوات" مثل كل يوم إلي الأتوبيس. وبعد دقائق سمعنا صراخ وعويل وتهويل وأصوات. ذهبت علي الفور وجدت كارثة رأيتها بعيني 50 جثة جمعتها بيدي مع الآخرين بعد أن تناثرت أشلاءهم. لقد جمعناهم في أكياس وكنت أبحث عن ابني وابن أخي ولم أجدهما. فقالوا لنا هناك تلاميذ في مستشفي منفلوط. بالفعل ذهبت أنا وشقيقي وفعلا وجدت ابني وابن شقيقي وكانت الدماء تنزف بغزارة من ابن شقيقي. وطلبت من إدارة المستشفي أن تنقلهما إلي المستشفي الجامعي لخطورة حالتهما. وبالفعل انتقلوا إلي هناك لكن القدر لم يمهل ابن أخي كثيراً وتوفي بعد ساعات. أما ابني فهو يسأل كل يوم عن ابن عمه. أما العم الذي فقد ابنه الوحيد فمازال يلتزم الصمت لا يتحدث إلي أحد لأنه فقد ابنه الوحيد. يكمل عم السيد قائلاً: لقد مشي القطار بالأتوبيس لأكثر من 1500 متر رأيت المنظر أكبر من أي تخيل أو وصف. فما حدث هو كارثة بكل معناها. بالغرفة 317 يرقد الطفل أحمد سعيد صابر "9 سنوات" رفض الكلام لأنه لم يستطع أن يتحدث إلينا.. قال والده الذي يعمل سائقاً: الحمد الله قدر الله وما شاء فعل. أنه القضاء والقدر. لكن هناك إهمال. فبلوك الحواتكة يقول إنه تم التنبيه علي مزلقان المندرة وعامل المزلقان يقول إنه لم ترد إلينا إشارة.. الحقيقة غائبة. نتمني أن يتم الكشف عنها. ويروي عم المصاب من داخل الغرفة قائلاً: هل تصدق بأن هناك جثة تم التعرف عليها من خلال الساق؟! في الغرفة 323 بالدور الرابع ترقد أروي حسين عبدالرحمن "11 سنة" التي فقدت شقيقها هشام "12 سنة". فيما شقيقتها روان "8 سنوات" اصيبت في الحادث. وما إن دخلنا لها أشارت بيديها وصرخت. وحاولنا أن نهدئ من روعها ورفضت أن تتحدث إلا في حضور والدها الذي لم يكن موجوداً وبكت كثيراً. حيث طلبت منا الحكيمة الخروج لأنها نفسياً تعاني مما حدث بل أكدت الحكيمة أن جميع المصابين يحتاجون لفترة للعودة إلي ما كانوا عليه. لأن الحدث أكبر منهم بكثير. ومازال عالقاً بأذهانهم. أب أحد الضحايا من قرية الحواتكة قال: ابني مات في الأتوبيس ومابقاش منه غير شوية كراريس وشنطة فاضية. هاعمل ايه بالفلوس؟!. ياخدوا الفلوس ويرجعولي ابني. ودمعت عيناه بعد أن أضاف قائلاً: أمه كل يوم تسألني عن ابنها الوحيد. قبل الخروج من مستشفي الجامعة بسوهاج قال لنا مصطفي صالح مدير إدارة أمن المستشفي: كان الله في عون أولياء أمور المصابين والضحايا. يجب أن نلتمس لهم العذر. لقد فقدوا أعز ما يملكون. مشيرا إلي أن إدارة المستشفي وضعت كافة امكانياتها لعلاج المصابين. ثم توجهنا إلي المزلقان الذي شهد الحادث المشئوم ويقع بقرية المندرة التي شهدت أكبر عدد من الضحايا. حيث تبعد القرية حوالي 25 كيلو متراً عن أسيوط المحافظة. وقبل 5 كيلو مترات من مدينة منفلوط رأينا هناك القائم بأعمال المزلقان ومفتش السكة وبعض أجزاء الأتوبيس التي أصبحت عبارة عن قطع خردة. فيما الجزء الأساسي من الأتوبيس بعيداً عن المزلقان بمسافة 2 كيلو متر. أحد الأهالي قال لنا إن المزلقان كان يعمل فقط بالسلسلة.. أما الآن فتم تصليحه. وهذا ما نفاه مسئولو المزلقان بالسكة الحديد. التقينا بمصطفي حسين عبدالرحمن رئيس فرقة صيانة السكة الحديد قال: أنا قائم بأعمال عامل المزلقان بالمندرة بسبب إضراب العمال عن العمل لخوفهم من بطش الأهالي وحرصاً علي حياتهم. وأضاف أن المزلقان ليس به وسيلة اتصال إلا التليفون. ولا يوجد تسجيل يتم به معرفة المبلغ من عدمه. حيث يطالب هؤلاء العمال المضربين عن العمل بارتباط المزلقان بالبلوك. فجر مصطفي مفاجأة بقوله: إن "سيد عبده رضوان" عامل المزلقان والموجه له الاتهام أن وظيفته الحقيقية عامل صيانة بالسكة. وللعجز في وجود عمال بهذه الوظيفة التي هي ليست شغلانته. لكنه تعرض لضغوط ليقوم بهذا العمل. مشيرا إلي أن عامل المزلقان الذكور يعمل منذ سنتين يؤدي عمله علي أكمل وجه ولم يجاز طيلة فترة عمله. ولم يلتحق بالعمل في المزلقان إلا منذ 5 شهور. وهو دون خبرة في هذا العمل. أما عن المعهد الأزهري الذي فقد 51 تلميذاً ذهب العاملون من مدرسين وإدارة وبعض التلاميذ في أول يوم بعد ما حدث. لكن كان من الصعب أن يعمل. فالطابور لم يستكمل وخرج التلاميذ وعادوا إلي بيوتهم بعد أن قيل لهم إن الحصة الأول تلاميذ المعهد في الجنة. فقالوا النهارده مفيش طابور كله غياب.