آه يا بقايا وسؤال هل تصلح الرواية ما أفسدته السياسة ظل يراوغني وأنا اقرأ رواية المقلب للروائي سعيد سالم متنوع الروافد والتوجهات والحروف من عمالقة اكتوبر حتي كف مريم.. قد لا نستطيع مقاومة شهوة الإبداع والحكي. لكن الفن تنوير وإمتاع كما يقول وأنا معه ورسالة نجتهد في توصيلها تاركين لفعل التراكم الزمني دوره في التأثير التبادلي. هذا ما شعرت به وأنا أدحرج ناظري بين سطور المقلب وشخصياته الحية. والتي كان بعضها عنوانا فرعيا ورمزوه التي استدعاها مع بساطة السرد وحميمية التواصل. وتتحرك أحداثه في قفزات تشبه القفزات المرسومة بحرفية دون أن أدس أنفي. فقد تعودنا علي رائحة الفساد في مصر الذي نعايشه كرجل السو في انتظار المصيبة أو الرحيل كما تقول أمثالنا. والتي تذكرني بنكتة رجل الصرف الصحي الذي كان يسلك المجاري فعندما سمع أصواتا طلب من زميله الصعود لأعلي البالوعة وتحري الأمر.. قال له وهو يضحك هذه زفة المحافظ فأسرع يطالبه بالنزول قائلا بلاش قرف.. هي مسألة النسبية وجدل الثنائيات بين الفن والدين والمصلحات الأخري تطل برأسها بين سطور المقلب بمعانيه المختلفة بجانب معناه الجديد وهو هنا مصري اللون والطعم والرائحة وإن حاول بطله أن يكون الدكتور مخالفاً فيعمل كشافاً للنور أو في وظيفة أخري. حتي مقالب الزبالة عندنا لها تصنيفاتها وسلوكيات خاصة لأصحابها ونظرة المجتمع المتباينة للزبال والبيه صاحب المقلب او خط الزبالة كما يقول وان كانت العمولات قد قاربت العرف و فشل زواجابن الزبال وابنة الموظف ليس جديداً لكنه كان مدخلا جيدا لمشاكل المجتمع والمرأة. لتعيد فردوس تأمل حياتها. وليذهب بكر السرياقوسي إلي البحر يمارس هواية الصيد ويشكو للبحر همومه.. وهو رمز الخلاص لكثير من الكتاب. ويمارس سعيد سالم هوايته بصرخة احتجاج بدأها بجلامبو لحرية الإنسان وقيمته الذاتية وأهمية الفكر في زمن المادة.. مع تنوع الأساليب جاء السرد بطعم الماء المالح ورائحة اليود وأعشاب البحر. فهو لا يعتمد علي السرد والحكاية فقط وإنما يستخدم المونولوج الداخلي والسيناريو والحوار استخداما جيدا بتعبيرات فيها تكثيف وشاعرية ولغة مناسبة للظروف.. ونلمح في شخصياته صدي لاضطرابات البحر وصراع الإنسان وقصص كفاح متجددة وطموحات متباينة.. وتشهد فكرة المقلب- عنوان الرواية- وهو يمثل شخصية رئيسة في الرواية بجسارة الكاتب وتجريبه لعوالم جديدة تقنيا ودلاليا أضافت لمعرفتنا قدرا من العمق والأصالة التي تساعد علي ايقاظ حس التوتر الدرامي وشفافية التلقي. مما يعد شاهدا علي نجاح المبدع في تحريك السواكن الراكدة.. وهذا يقودنا الي ما تعرضه التابلوهات التي رسمها الكاتب بمهارة في مراوحة بين سلوك الفساد وفساد السلوك والذي اتاح له بخبرته الروائية أن يتدخل بهدوء طارحا فلسفته دون أن يصادر علي صوت السارد وظهور نشاز الأصوات.. وهكذا تصل رسائل الرمز والإيعاز والتضمين لسعيد سالم والمقلب إلينا.