مرة واحدة التقيت فيها بالدكتور محمد بديع، المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، وكان ذلك فى أعقاب مقالات كتبتها فى "المصريون" وقت الشدة والحصار من نظام مبارك أندد فيها بحملة غير أخلاقية وجهها بعض الصحفيين له شخصيًا فدعانى مشكورًا للقاء للتعبير عن شكره لما كتبته على الرغم من أنى لا أنتمى إلى الإخوان بل وأنتقدهم أحيانًا، كما انتقد غيرهم من الفصائل الوطنية وفق ما يمليه على ضميرى من مسئوليات تجاه الوطن نفسه بقطع النظر عن الشخص أو الجماعة أو الحزب، والحقيقة أنى وجدت فيه شخصية وافرة الخلق والهدوء والتواضع، كما علمت من أخى الأكبر وصديقى وأستاذى الراحل الدكتور عبد الحليم عويس، بلدياته، الكثير من صفاته وحبه للشعر وعذوبة صوته فى الأناشيد التى يعشق أداءها ورقة طباعه ومشاعره والقبول الواسع الذى يحظى به لدى المحيطين به. أقول هذا حتى يفهم كلامى اليوم على وجهه، وأنى لا أقصد تصيدًا لأحد ولا الانتقاص من قدر الرجل، وذلك أن التصريحات الأخيرة التى صدرت من الدكتور بديع، وأيضًا من المهندس خيرت الشاطر نائبه لا يمكن أن يقبلها أحد فى مصر الآن، مصر الثورة، لا يمكن أن نقبل بعد اليوم أن يتحدث المرشد العام للإخوان بوصفه الموجه للسياسة والقرار فى مصر، أو أن يتدخل فى شؤون إدارة الدولة والاقتصاد والأمن والسياسة الخارجية، أو أن يستقبل السفراء والمسؤولين الأجانب، كما لو كان المرشد الأعلى للثورة مثلا على النموذج الإيرانى، لقد اختارت الجماعة أن تؤسس حزبًا سياسيًا هو حزب الحرية والعدالة، بما فهم منه أن الجماعة وقياداتها تتفرغ للعمل الدعوى والتربوى والدينى والثقافى، وتم الإعلان ولو شكليا عن انفصال الحزب عن الجماعة، وقيادات الحزب استقالت من مناصبها من الجماعة تأكيدًا لذلك، حتى لا يكون هناك التباس، وبما يسمح بتحديد المسؤولية السياسية والدستورية لاحقًا لمن يتخذ القرار، وتقدم الحزب فى الانتخابات وفاز بالنسبة الأعلى بين بقية الأحزاب الوطنية، وأصبح الحزب هو الذى يرأس البرلمان المصرى وسيرأس غالبية لجانه وأهمها، كما أنه خلال أشهر قد يكون هو رأس الحكومة المصرية، والشعب الذى اختاره لكل ذلك، اختار الحزب وليس الجماعة، وإلا ما كان هناك معنى لتأسيس الحزب أصلا، وكانت الأمانة تقتضى أن تدخل الجماعة مباشرة وبصراحة. ووفق ما سبق أصبحت مؤسسات الدولة تتعامل رسميًا ودستوريًا مع حزب الحرية والعدالة، كحزب سياسى، وأى أخطاء أو مساءلات قانونية أو دستورية سيحاسب عليها الحزب وقياداته، وليس الجماعة ومرشدها العام، وبالتالى فاستمرار ازدواجية التدخل فى شؤون مصر الرسمية الداخلية والخارجية من قبل المرشد ونائبه سيفهم منه أن القرار الفعلى الذى يدير مصر الآن هو قرار مكتب الإرشاد وليس قرار المكتب السياسى لحزب شرعى قائم، وبالتالى سنكرر المأزق الذى كانت تمثله وضعية سوزان مبارك، التى كانت تدير شؤون الدولة دون أى وضع دستورى، ودون إمكانية تعرضها للمساءلة دستوريًا أمام الجهات الرسمية فى الدولة إذا نجم أخطاء أو كوارث من تدخلاتها وقراراتها. هذه الازدواجية خطيرة للغاية، وينبغى حسمها مبكرًا، وعلى الجماعة أن تقدم صورة جديدة للرأى العام، والقوى الوطنية، أنها تحترم الدستور وتحترم الدولة كبنية مؤسسية، وتؤكد أن مصر تدار من قبل أحزابها الوطنية، وليس من قبل مكتب إرشاد جماعة الإخوان أو التنظيم الدولى للجماعة. [email protected]