لم تسلم مهنة الطب التى تعد أسمى وأرقى وأقدم مهنة فى تاريخ البشرية مما أصاب كافة المهن الأخرى من جشع وطمع وانتهازية الكثير من أصحابها الذين طغت عليهم الماديات وتحكمت فى ذممهم وضمائرهم الأرقام التى يسعون بكامل استطاعتهم لتنميتها وزيادتها دون اكتراث بما هو أعمق وأفضل عند الله من ذلك، وهو الرحمة بالضعفاء والفقراء وعدم نهب الأغنياء عنوة وبدون وجه حق! اندهشت إلى حد الصدمة عندما أخبرتنى إحدى صديقاتى أنها اتصلت بعيادة أحد أطباء المخ والأعصاب بوسط البلد لتحجز ميعادا للكشف على والدتها المريضة حيث فوجئت بمساعدة الطبيب ترد عليها قائلة: "ثمن الكشف 600 جنيه وأقرب ميعاد بعد أربعة أشهر"!!.. يحييها ويحيينا ربنا!! الأمر الذى يؤكد أن المرض أصبح فى مصر درباً من دروب الترف، كما أن أسعار الكشف عند معظم أطباء وسط البلد صارت غاية فى القرف!.. وكأن هناك مخططا للتخلص من المرضى المصريين بشتى الطرق سواء أكانوا أغنياء أم فقراء بزعم أن هؤلاء الأطباء أنفقوا كثيرا لاستكمال دراستهم سواء فى الداخل أو الخارج وبالتالى من حقهم استرداد ما أنفقوه بشكل غير مباشر، واللى معهوش ما يلزموش وعجبى!!! لا يخفى على كل ذى عقل مميز وقلب رحيم أن أحوال الفقراء داخل مستشفيات ومستوصفات الحكومة يرثى لها نتيجة الإهمال وضعف الإمكانات والكفاءات إلى جانب ارتفاع أسعار الأدوية والتحاليل والأشعة!.. هؤلاء المرضى الممنوعون نتيجة لفقرهم وعجزهم فضلاً عن جشع وطمع أطباء الصفوة من مجرد المرور أمام عياداتهم لأنهم أطباء للأغنياء فقط!، أطباء من أجل الفشخرة والمباهاة وغيرها من المعانى السطحية البعيدة كل البعد عن الإنسانية والإحساس بمعاناة الغير! أما الأغنياء فمن الظلم استنزاف ما فى جيوبهم والتسبب فى إفقارهم على المدى الطويل بهذه الطريقة الشائنة المعيبة! فإذا كان ثمن الكشف فقط 600 جنيه أو أقل من ذلك فماذا عن ثمن الأدوية التى سيكتبها هذا الطبيب، والتى ستكون بالطبع باهظة ومكلفة جداً لاتفاق معظمهم مع بعض أصحاب شركات الأدوية الكبيرة فى الداخل والخارج على تسويق أدويتهم الغالية الثمن دون غيرها من أدوية الشركات الأخرى الأرخص ثمناً والتى غالباً ما يكون تأثيرها يضاهى تأثير وفاعلية الشركات الكبرى العالمية!.. ليس ذلك فحسب.. يطلب الطبيب أيضاً من المريض عمل تحاليل وأشعة فى معامل ومراكز معينة متفق عليها مسبقاً مقابل الحصول على مبالغ معينة من أصحابها كما يتردد بقوة، وذلك لاستكمال الفحص وتحديد المرض تمهيداً لبدء العلاج الذى لا يعلم متى سينتهى سوى الله والذى غالباً ما ينتهى بالموت وخراب الديار حتى وإن كان المريض غنياً وميسور الحال!! لماذا لا يكون لهؤلاء الأطباء عيادات أخرى فى الأحياء الشعبية والمناطق العشوائية تسهيلاً وتخفيفاً وخدمة للفقراء المرضى الذين لا يعنيهم التكييف والتليفزيون وغيرها من الأمور التى يوفرها هؤلاء الأطباء للتخفيف عن المصاحبين للمرضى الأغنياء، وليس المرضى أنفسهم كما يزعمون- خاصة أن القَسَم الذى أدوه بعد تخرجهم فى كليات الطب لم يكن مقصوراً على علاج الأغنياء فقط؟! أناشد كل المصريين بمختلف مستوياتهم التحرر من عقدة "الغالى ثمنه فيه" ومقاطعة كل الأطباء الجشعين ذوى الأسعار الخيالية لأن فى مصر الكثير من الأطباء الشرفاء الأكفاء الأتقياء ذوى الضمائر والنفوس النقية الذين يجب أن توفر لهم الدولة حياة كريمة كى يتمكنوا من خدمة مصر والمصريين على أكمل وجه بلا أى عوائق أو موانع. آمل أن تتحسن أوضاع الصحة فى مصر إلى الأفضل كى يتعالج الفقراء والأغنياء على حد سواء دون معاناة أو تكاليف مرهقة، كما أتمنى أن يتم تطبيق نظام التأمين الصحى على كل المصريين قريباً لأنه حق مشروع وليس هبة أو منحة من أى رئيس قادم. [email protected]