فى مدخل هذا المقال أشير إلى أن واحدًا من الشخصيات العلمانية المرموقة كان يملأ الدنيا صراخًا ونعيقًا ونعيبًا وضجيجًا : " انتظروا خراب مصر ؛ فالإخوان المسلمون والسلفيون يمسكون الحكم ، ومعنى هذا أنه لن يكون هناك لا ديمقراطية ولا حرية ، ولا عدالة ، فعمدتهم هو ما يسمونه النصوص الدينية والسماوية المقدسة " . ويقفز إلى ذهنى بسرعة الضوء شخصية فتحى سرور الذى تولى رياسة مجلس الشعب ل 21 دورة متتالية ، فيما يسمونه انتخابات 2010 ، وهى تسمى الانتخابات التى رسمها وفصلها الترزى أحمد عز ، وقد شاء ألا ينجح فيها واحد من الإخوان . " وفى أولى جلسات مجلس الشعب الجديد، وبعد أداء النواب اليمين الدستورية، تم انتخاب أحمد فتحى سرور رئيسًا للمجلس للدورة ال21 على التوالى بأغلبية ساحقة، حيث حصل على 505 أصوات مقابل صوت واحد فقط لمنافسه محمد عبدالعال رئيس حزب العدالة. ووجه سرور الشكر إلى الأعضاء، مؤكدًا أن هذا المجلس ينتظره العديد من المهام السياسية والتشريعية والرقابية التى ستكون فارقة فى تاريخ الوطن ، داعيًا الجميع إلى المشاركة فى دراسة مشروعات القوانين والتصدى للمشكلات الجماهيرية الملحة . وقال: إن هناك مبادئ عامة تحكم سلوك مجلس الشعب، منها الاحترام المطلق للدستور، واحترام حرية الرأى والرأى الآخر، والالتزام بالاستجابة لطموحات الشعب، والتعاون مع الحكومة " . ********** وأشرق على الشعب شمس الحرية ، وجاءت الجلسة الأولى لمجلس الشعب يوم 23 / 1 / 2012 . ومن أهم ملامحها : 1- ترأس جلسة المجلس الافتتاحية أكبر الأعضاء سنا وهو الدكتور محمود السقا أستاذ القانون بالجامعة . 2- ترشح لرياسة المجلس بعد تلاوة القسم ثلاثة وحصد الكتاتنى 399 صوتًا، مقابل 87 صوتًا لعصام سلطان، و 10 أصوات ليوسف البدرى من أصل 503 نواب أدلوا بأصواتهم فى انتخابات رئاسة المجلس، بينهم 496 صوتًا، و7 أصوات باطلة . 3- وبديمقراطية وحرية وعدالة اختار المجلس الوكيلين : واحدًا من حزب النور والثانى من حزب الوفد . 4- المفروض قانونًا وعرفًا أن يقرأ كل عضو فى المجلس القسم جهرًا بحرفيته ... بلا زيادة أو نقص ، وإلا دخل ذلك فى نطاق " التزوير المجهور " . ولكن أحد الأعضاء أضاف بعد القسم عبارة " بما لا يخالف شرع الله " . وعضو آخر استهل القسم بقوله : " أقسم بالله العظيم أن أستكمل ثورة يناير " . وليس هذا من حق هذا أو ذاك ؛ لأن الشريعة لها الولاية العامة ، فمخالفة أى دستور أو قانون لها يقع ساقطًا . أمااستكمال ثورة ينايرفهو من أهم أهداف الجميع ، وقد أكد الدكتور الكتاتنى ذلك فى خطابه بعد انتخابه رئيسًا . ********** ونعود لذلك العلمانى الذى ذكرناه فى مدخل المقال الذى زاد نعيقه ونعيبه ، ويكمل صراخه قائلا : كيف يرفض محمود السقا أن يضاف إلى القسم جملة دينية لها قيمتها وهى " بما لا يخالف شرع الله ؟ !! " . ونقول لصاحبنا هذا : النظام نظام ، والالتزام واقعيًا به من أوامر الدين ، ومثل هذه العبارة على قيمتها ... وفى هذا الموقف تعد خروجًا على النظام المتبع ، فهى إن لم تؤخر ، فلن تقدم . ولنا فى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة: ففى العام السادس من الهجرة رأى النبى صلى الله عليه وسلم فى المنام أنه دخل البيت الحرام وحلق رأسه ووقف بعرفة ، فاستنفر المسلمين والعرب إلى العمرة ، وليس معهم إلا السيوف فى أغمدتها ، وساقوا معهم الهدى وكان ذلك فى ذى القعدة ، فلما علمت قريش بذلك خرجت بكل قواها لمنع النبى والمسلمين فى الدخول لمكة ، ونزل النبى ومن معه بالحديبية ، على بعد تسعة أميال من مكة ، وحدثت بعثات من قريش إلى الرسول ، وانتهى الموقف بعقد صلح الحديبية بين سهيل بن عمرو عن أهل مكة والنبى صلى الله عليه وسلم . وأملى النبى عليه السلام على على بن أبى طالب نص الصلح بادئًا بالكلمات الآتية : بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو .... إلخ " .... فاعترض سهيل وقال : لو اعترفتُ بذلك ما حاربتك . بل اكتب محمد بن عبد الله ، وامح رسول الله ، فطلب النبى صلى الله عليه وسلم من على أن يمحوها ، فأقسم على لا يمحوها أبدا ، فأمسك النبى صلى الله على وسلم بالصحيفة ، ومحاها بيده وأصبح مستهل الصلح باسمك اللهم "هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو ... إلخ " . ونظر إلى المسلمين وقال : " أنا محمد بن عبد الله ، وأنا رسول الله . وهو عليه السلام يقصد أننا يجب ألا نقف لتعوقنا العبارات الشكلية التى لا تخرج بالواقع عن الهدف المرجوّ ، والواقع المنشود . وهذا نقوله للأخوين اللذين أصر كل منهما على العبارة المضافة إلى القسم " إِنَّ فِى ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ " ق 37 . ********** وأخيرًا أقول إن الإخوان فى القاعة من رئيس وأعضاء كانوا نموذجًا طيبًا جدًا فى النظام والامتثال والاتزان ، حتى إنهم بعد إعلان انتخاب الدكتور الكتاتنى رئيسًا للمجلس ، لم يرفعوا أصواتهم بواحد من هتافاتهم وشعاراتهم . فنالوا بذلك إعجاب الحاضرين ، ومن شاهدهم أو سمعهم عن طريق الإعلام المرئى ، والمسموع ، والمقروء . والحمد لله رب العالمين " رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8) " آل عمران . [email protected]