كانت دماؤهم سببا فى توهج الثورة واشتعالها، فلم يكن لثورة 25 يناير أن تنجح لولا مخالطة دماء الشهداء الزكية لتربة هذه البلد وكانت محفزا لجموع الشعب كى تخرج وتطالب برحيل النظام السابق. وهذه الأيام تحل الذكرى الأولى للثورة المصرية المجيدة وبينما يعيش الشعب المصرى فرحة ثورة وذكريات نضاله مازالت أسر الشهداء تجتر الأحزان حزنًا على أبنائهم الذين تعرضوا للغدر عندما خرجوا يطالبون بالحرية والكرامة. وفى مدينة السويس التى لعب صمودها فى الفترة ما بين 25 إلى 28 يناير دورًا كبيرا فى امتداد الثورة إلى كل البقاع والأماكن لذا ذهبت "المصريون" إلى أسر الشهداء والمصابين فى السويس نتذكر معهم الشهداء أبطال الثورة الذين ضحوا بدمائهم من أجل كرامة وحرية وطن ظل أبنائه أكثر من ثلاثين عامًا يعانون الظلم والقهر. وفى عمارة الشهداء بمدينة السادات تشعر منذ دخولك من البوابة بأرواح الشهداء ترفرف فى كل مكان ورائحة دمائهم الزكية تعطر الجو. فى البداية التقينا بأسرة الشهيد أحمد محمد فرغلى وبدأ والده يسترجع معنا شريط الذكريات حول الأيام الأولى للثورة وظروف وملابسات استشهاد نجله، والذى أكد أنه ونجليه مصطفى والشهيد أحمد اشتركوا فى الثورة منذ اندلاعها فى 25 ينايروفى يوم جمعة الغضب وبعد الصلاة اتجه هو ونجلاه لشارع عبد الخالق ثروت الكائن فيه منزل رجل الأعمال إبراهيم فرج المتهم فى قضية قتل المتظاهرين فوجد قوات الأمن ورجل الأعمال وأبناءه على أهبة الاستعداد لمواجهة المتظاهرين وهم مدججون بكافة أنواع الأسلحة النارية وغيرها. ويكمل قائلاً: فى هذا التوقيت اتخذت قرارًا بالعودة للمنزل معى أبنائى ولكن الشهيد أحمد رفض وذهب مع أصدقائه لاستكمال المظاهرات ووعده بالعودة للمنزل بعد نصف ساعة، ولكن قضاء الله وقدره كان لهما رأى آخر حيث أصيب بطلق نارى اخترقت ظهره بشارع عبد الخالق ثروت وتم نقله لمستشفى السويس العام وظل بها أسبوعاً كاملاً وتدهورت حالته فقررنا نقله لمستشفى المنيرة بالقاهرة لاستكمال العلاج وتكفلت القوات المسلحة بكل المصروفات الخاصة بعلاجه حتى توفى أخيرًا متأثرًا بإصابته. والتقطت الحاجة سميرة عبد الجليل، والدة الشهيد أطراف الحديث وقالت والدموع تملأ عينيها حزنا على نجلها: لقد فقدنا إنسانًا طيبًا لأقصى درجة ولكن عزائى الوحيد فى فلذة كبدى أنه ضحى بنفسه من أجل حرية هذا الوطن وتوفير الحياة الكريمة والعدالة الاجتماعية لأبنائه. وأشارت إلى أن نجلها الشهيد يبلغ من العمر 24 عامًا فقط وكان ينتظر عقد قرانه فى شهر يونيه الماضى لولا رصاص الغدر الذى قطف زهرة شبابه. وفى منزل الشهيد محمود أحمد محمود أكدت والدته الحاجة سيدة محمود أنه كان ينتابها شعور منذ اندلاع الثورة أن شيئًا ما سوف يحدث لذاك حذرت نجلها الشهيد لمرات عديدة أن يبتعد عن التظاهرات وقالت له بالحرف الواحد (أنت أتظلمت كتير يا ابنى بس ربنا موجود) وذلك بعد فشله فى الحصول على فرصة عمل رغم محاولاته المستمرة لتحقيق هذا حلم الوظيفة. وفى يوم جمعة الغضب كانت تعتقد أن نجلها مازال مستغرقًا فى نومه حتى فوجئت بخبر إصابته برصاصة حية اخترقت ظهره واستقرت داخل جسده، وحاولوا نقله للمستشفى للعلاج، لكنه لفظ أنفاسه الأخيرة على باب الاستقبال. وأكدت شقيقته سهير أحمد أنها ليست حزينة على شقيقها لأنه مات شهيدا وضحى بنفسه من أجل هذا البلد وأشارت إلى أنهم لن يتركوا دمه يذهب هدر وسوف يقتصون بأيديهم من القتلة إذا تقاعس القضاء فى الحكم بأقصى عقوبة على المتهمين. أما أحمد نجل الشهيد فايز فهيم فقد أكد ل"المصريون" أن والده يبلغ من العمر 54عاما وأنه أول من عرف بخبر استشهاده بالمصادفة حيث كان متواجداً يوم جمعة الغضب فى محافظة كفر الشيخ وشعر بأن هناك شيئاً ما حدث لوالده فقام بالاتصال على هاتفه من تليفون أرضى نظرا لقطع خطوط الاتصالات فى ذلك اليوم ففوجئ بعميد بالقوات المسلحة يرد على هاتف والده ويخبره باستشهاده ووجود جثته بالمشرحة بعد إصابته بطلق نارى حى فى جنبه. وفى منزل الشهيد محمود سعودى تقابلنا مع والده الذى أعلن غضبه من محاولة البعض الإساءة لنجله واتهامه بأنه مسجل ومتهم فى عدد من القضايا. وأشار إلى أن نجله كان يعمل معه صياداً يخرج من أول النهار ولا يعود إلا بعد حلول المساء من أجل توفير لقمة العيش وأكد أن نجله أصيب برصاصة طلق نارى اخترقت جنبه يوم جمعة الغضب، حيث ذهب مع زوج شقيقته للاشتراك فى المظاهرات وبعد إصابته ظل فى مستشفى السويس العام لمدة خمسة أيام، وبعد ذلك تم نقله لاستكمال العلاج بمستشفى المنيرة بالقاهرة. وأكد أن الشيخ حافظ سلامة هو الذى تكفل بعلاجه بعد تقاعس الحكومة وطالب سعودى بالعدالة وسرعة محاكمة قتلة ابنه حتى لا يلجأ إذا فاض به الكيل للثأر بيديه من قتلة نجله. ويشير تامر رضوان، شقيق الشهيد شريف، إلى أنه ذهب مع شقيقه الشهيد ومجموعة من الأصدقاء لصلاة الجمعة فى مسجد الأربعين للمشاركة بعد ذلك فى المظاهرات، ولكن بعد الانتهاء من الصلاة فوجئوا برجال الشرطة يدخلون عليهم المسجد ويرفضون خروجهم وبعد مشادات ومشاجرات عنيفة معهم نجحوا فى الخروج وتوجهوا لشارع عبد الخالق ثروت فشاهدوا إبراهيم فرج وأولاده وهم مسلحين ومعهم كلاب بوليسية. ثم رأى مجموعة من رجال الشرطة على أسطح المنازل وبكثافة على سطح منزل إبراهيم فرج، وما إن دخلوا الشارع حتى فوجئوا بوابل من الرصاص الحى فتساقط ثلاثة شهداء أمامه هو وشقيقه الواحد تلو الآخر وهم إسلام متولى وفايز فهيم ومحمد أحمد يوسف. ويكمل تامر قائلاً: نجحنا فى نقلهم ولكن بعد أن أسلموا جميعا أرواحهم للمولى عز وجل وقد قام أخى رحمه الله بمجهود كبير فى نقلهم وحملهم وهو لا يعلم أنه سيتم حمله بعد ساعة واحدة حيث قمنا بالاختباء فى جراج قريب من منزل إبراهيم فرج للهروب من الرصاص الحى الذى يطلق علينا من كل اتجاه وبعدها فوجئنا بقنبلة مسيلة للدموع داخل الجراج كادت تتسبب فى اختناقهما فقررنا أنا وشقيقى الهروب مسرعين ولكن شقيقى لم يستطع إكمال هروبه فقد تلقى رصاصة حية أودت بحياته بعد نقله لمستشفى التأمين الصحى بربع ساعة فقط. أما عن المصابين فيؤكد محمد حسن محمد والد المصاب حسن أن نجله أصيب يوم جمعة الغضب أمام شركة موبينيل برصاصة حية فى فخذه اليمنى أدت إلى قطع بالأعصاب ولكن للأسف دكتور التأمين الصحى بالسويس أجرى له عملية بعد تشخيص خاطئ فقمنا بنقله لمستشفى الحلمية الخاصة بالقوات المسلحة ففوجئنا بالأطباء يسألوننا عن النجار الذى أجرى له العملية بالسويس ومع ذلك تدهورت حالته نتيجة للتشخيص الخاطئ وأصبحنا لا ندرى ماذا نفعل خاصة ونحن نشترى له كل يومين حقنة سعرها 150جنيها فى ظل تقاعس صندوق رعاية المصابين فى الصرف عليهم. ويؤكد أحمد حلمى من مصابى الثورة أنه أصيب بميدان الإسعاف بطلقات بلى الخرطوش فى جميع أنحاء جسده أثرت عليه تأثيراً كلياً.