الفصول الأربعة سنة الله فى الكون الهائل الممتد الفسيح، يا لها من لوحة حولية يبدع فيها الخالق العظيم حكمته ويحكم بها منظومة خلقه وينفذ عن طريقها نواميسه من قوانين تعاقب الأجواء ودرجات الحرارة والطقوس والظروف، فإذا انسل الخريف المعتدل بسلاسةٍ فى هدوء وخدرٍ لذيذ، فإنه لا يلبث أن يترك الساحة خالية للشتاء الذى ينقض باردًا هائجًا عاصفًا مطيرًا فى أغلبه، ثم يهدأ المشهد فيحل الربيع متقدمًا فى نعومة دافئًا جميلاً باستثناء بعض الخماسين، ثم يفور تنور الصيف قائظًا فى نهاره ذو لهيب مشبوب ولطيفًا فى ليله الساحر بلوحته السماوية المتلألئة بالأجرام، والنجوم تتبدل فى رتابة خلال هذه الدورة المناخية المعجزة لطبائع البشر وأهوائهم وأمزجتهم وعاداتهم وملابسهم أيضًا، كذلك تتنوع النباتات والخضراوات والزروع وتخلع بدورها الأشجار ملابسها من الأوراق والغصون، وتعيد اكتساءها بها مرةً أخرى بها بعد تفتحها بالزهور ومخاضها بالفواكه والثمار والقطوف، تردد دائب متجدد ما بين قوةٍ وضعف نضارةٍ وذبول نموٍ وركود بزوغٍ وكمون استكمالًا لعبقرية الصورة ترشِّد بعض الكائنات والحيوانات استهلاكها وتخفف نشاطها، فإما خمولا صيفيا وإما بياتا شتويا مدهشيْن فى كل عام تترصع اللوحة بأوسمة الثراء والتنوع وتُقَلَّدْ بنياشين التغيرات الجوية المشوقة المدهشة التى تتجلى فى تراكيب وألوان ومظاهر وظواهر وبدائع وزخارف طبيعية رائعة تفعم النفوس بالإعجاب والحبور وإزاء هذه الحالات والأمور ينقسم الناس دائمًا فى مواقفهم إلى فريقين مختلفين، إما فريقا قصير النظر مرتعبا أرعن غشيما لا يتوقف عن التأفف والضجر والشكوى من أحوال الجو المتقلب وأعبائه شديدة التأثير ويعلن قلة احتماله وتذمره الممجوج، وإما فريقا صبورا ذا جلد بعيد النظر حكيما وشغوفا يتأمل فى ورع وتلذذ ويتذوق بثمالة وفرح الجمال الأخاذ للوحة الثرية البراقة المدهشة ويتمتع ببديع صنعةِ الرب مبهورًا بإعجاز الخالق العظيم بسم الله الرحمن الرحيم، "فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِين" صدق الله العظيم.