وصلت الأخبار إلى قبيلة "العبايدة"-وقبيلة "العبايدة" لمن لا يعرفها تقطن أرض "العبايدة" في أقاصي الجنوب ويغلب على سكانها السماحة والطيبة، ويُعرف عن أغلب أبنائها العبادة والزهد والورع، ومنها خرج علماء الدين على مر عقود-وصلت الأخبار وانتشرت كالنار في الهشيم أن سالم بن سويلم شقيّ قبيلة "الظلايمة"، اعتدى على شرف القبيلة، اختطف "فضيلة" ابنة شيخ قبيلة "العبايدة"، واغتصبها، ثم حبسها في دوّار عمدة "الظلايمة".. وهاج أبناء قبيلة "العبايدة" وماجوا، وارتفع صوت واحد موحد لم يعد يُسمع غيره: (لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يُراق على جوانبه الدم).. وشباب "العبايدة" ورجالهم –وكذا نساؤهم- رجال أفعال لا أقوال! فاحتشدوا عن بكرة أبيهم، تسمع لهم دوي هتاف واحد: (لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى...).. وشرف "العبايدة" أغلى عليهم من أرواحهم، خرجوا خروج رجل واحد إلى أبواب أرض "الظلايمة"، - وبعض أبناء"الظلايمة" أهل فجور وظلم وجور، يئوون بينهم عددا من قطّاع الطرق، ومطاريد الجبل، فانقضوا على أهل "العبايدة" العُزّل –إلا من عصي تمنحهم هيئة المعتدي و لا تغني في الواقع من شيء-بالسلاح والبنادق، فأراقوا دماءهم ساعات النهار، من شروق الشمس إلى مغربها، ورجال وشباب ونساء العبايدة يقدّمون شهيد الشرف تلو الشهيد، لا يتزحزحوا عن مواطن أقدامهم، كأنها انغرست في طين بوابة أرض "الظلايمة"، إنهم أصحاب حق، وأصحاب الحق لا يعطون الدنية من شرفهم (أبدا)!! وتمادى الفاجرون من أهل "الظلايمة" وحلفائهم من مطاريد الجبل، فلما رأوا القتل لا يثني أهل "العبايدة" عن موقفهم، ولم يخفت شعارهم الهادر: (لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى....).. نزلوا بينهم يأسرون الفتي، ويزففون على الجرحى منهم، ويعتدون على حرمات بقية نسائهم وفتياتهم، فأثخنوا فيهم، وما انصرف فلول "العبايدة" إلا بعدما استشهد منهم كل قادر، وأُسر منهم كل من كان فيه نفس، وأمر شيخ "العبايدة" الفلول الباقية بالانسحاب، بعدما فجع هو نفسه بعد ابنته "فضيلة" بفقد عدد من أبنائه وأبناء أخوته في معركة الشرف الرفيع.. ولأن معركة "العبايدة" و"الظلايمة" دارت رحاها في عصر السماوات المفتوحة، فلقد هرعت كل قبيلة في تدشين قناة فضائية تشرح قضيتها، وانتهجت فضائية "الظلايمة" نهج المنتصر بالباطل، المنتفش بالضلالة، تذيع رقصا خليعا وطربا وفجورا، وأطلقت العنان لألسنة حداد من سقط متاع القبيلة من كل فاحش، وحمالة حطب.. واكتفت فضائية "العبايدة" بالبكاء على أطلال شرف القبيلة، تذيع الأشعار والأغاني الحزينة المبكية كل يوم، وصبية القبيلة يتسمرون أمام الشاشات ليل نهار، وينمو طلب الثأر في نفوسهم –فيسترجلون- قبل الأوان، وكل من وجد في نفسه قوة، خرج إلى أبواب أرض "الظلايمة" وهتافه واحد (لا يسلم الشرف الرفيع.....).. حتى كان مساء، استضاف فيه مذيع قناة "العبايدة" مسؤول الإعلام السابق في بيت الشيخ، أجاب المسؤول على سؤال المذيع النابه: (كان الشيخ يعلم بخطة سالم بن سويلم لخطف ابنته قبلها بأيام)، -الأدهى من ذلك أن كلاما تسرب عن تلك الخطة الشنعاء، رغم تكتم الطرفين الشديد، وجاء نفر من شباب "العبايدة" يُهرعون إلى الشيخ، فهدأهم نوابه قائلين (اطمئنوا وانعموا "سالم بن سويلم" -دون أهل الظلايمة كلهم- معنا على قلب رجل واحد!!" فانصرف شباب العبايدة راشدين-.. و"فضيلة" نفسها كانت تعرف، والحقيقة أن البنت شجعت مغتصبها بأن حدثته بمعسول الكلام، تلاطفه وتداهنه، حتى وصل إلى سمع سالم بن سويلم، أن "فضيلة" قالت دفاعا عنه بعدما سرت إشاعة أنه يخطط لاختطافها واغتصابها: ("سالم بن سويلم" رجل مثل الذهب.. ورجال وأبناء "الظلايمة" عبروا بالمنطقة عبورا عظيما نحو بناء أخوة "العبايدة" مع "الظلايمة" أبد الدهر!!).. وأنه لما جاءت عصابة سالم لاختطافها، خرجت معهم طالبة منهم أن يكفوا سلاحهم، فهي تخرج معهم دون مقاومة حرصا على حياة "سالم بن سويلم" وحياة رجاله.. وأن هذا كله كان يدور بعلم شيخ "العبايدة" ومباركته!! بيد أن الرجل لم يكن خنوعا، وإنما كان حكيما يفكر كيف يصارح "العبايدة" دون أن يتسبب ذلك في تهورهم القاتل!! فلما انتهت حلقة برنامج قناة "العبايدة"، تجمع صبية "العبايدة" عن بكرة أبيهم فحاصروا دار شيخيهم وهم يهتفون: (قل ل"فضيلة" يا عم الشيخ.. من أسلم الشرف الرفيع إلى الأذى؟ ومن أراق على جوانبه الدم؟؟؟).. وما زال لهيب المشاعل يرتفع ليُرى من بعيد ملتفا حول دار الشيخ من كل جانب!!
عضو رابطة الادب الاسلامي العالمية عضو الاتحاد العالمي للابداع الفكري والادبي