وتعاليم الإسلام فى الجانب الأخلاقى جاءت لتنقل البشر خطوات فسيحات إلى حياة مشرقة بالفضائل والآداب، فليست الأخلاق فى التربية الإسلامية من الترف الذى يمكن الاستغناء عنه، بل هى من أصول الحياة التى يبغيها الإسلام ويرفع درجة أصحابها، وقد أحصى الإسلام مكارم الأخلاق ومعاليها وفضلها تفضيلاً، وحث أتباعه على التزامها والتمسك بها. وقد تجلت أخلاقية الإسلام حين شرع مقابلة السيئة بمثلها دون عدوان، فأقر بذلك مرتبة العدل، ودرء العدوان، ولكنه حث على العفو والصبر والمغفرة للمسىء ، على أن يكون ذلك مكرمة يرغب فيها، لا فريضة يلزم بها، ويشير القرآن الكريم إلى هذا المعنى: وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين. وهكذا اشتملت دائرة الأخلاق الإسلامية على جميع أفعال الإنسان الخاصة بنفسه أو المتعلقة بغيره سواء كان هذا الغير فرداً أو جماعة، أو دولة، فلا يكاد يخرج شىء عن دائرة الأخلاق فى الإسلام مما لا نجد له مثيلاً فى أية شريعة أخرى. ولا شك أن التربية الإسلامية التى ترتكز على هذه الأسس لا بد وأن تتسم بالترابط والتكامل، والتضامن والتماسك، وأن الطابع المميز للمجتمع الإسلامى تنضبط مسيرة حياته بأحكام الشريعة، وتصلح أحواله بانتهاجه لمسلكها القويم، فقد صيغت شخصيته بالتربية الأخلاقية، فانطبعت بخصائص هذه التربية. وجاءت التعاليم الأخلاقية بسمات مميزة لها عن باقى التعاليم فى الديانات الأخرى ، ولعل سمة التوازن من السمات الفريدة التى جاء بها الدين الإسلامى الحنيف ، ويتضح ذلك فى تناسق العلاقات بين الإنسان وخالقه، وبين الإنسان ومجتمعه وأسرته، وبين الجانب المادى والروحى، وذلك فى العبادات والسلوك والمعاملات، فلا يطغى جانب على آخر، بل تتناسق العلاقات بقدر يتيح للإنسان أن يحيا حياة متوازنة مستقيمة. ومن أمثلة ذلك جاءت الدعوة إلى السعى والعمل مقرونة بالصلاة، فبعد أداء الصلاة وهى الجانب الروحى يجب على المسلم السعى إلى عمله، وهو الجانب المادى، مما يحدث التوازن فى حياة الإنسان، يقول الله تعالى: فإذا قضيت الصلاة فانتشروا فى الأرض وابتغوا من فضل الله . وأسس التربية الإسلامية هى التى تصوغ المجتمع المسلم وتنشئه تنشئة متكاملة العناصر، لا يطغى فيها جانب على جانب آخر، وإنما تتوازن فيها جميع القيم والأخلاق الإسلامية، للترابط الجذرى القائم بين القيم الأخلاقية والسلوكية، وبين القيم السياسية والعملية، بين تهذيب الروح وصقل الوجدان، وبين رقيق الشعور وتقويم السلوك، وبين ترشيد الممارسة العملية لهذه القيم فى الواقع المعاش على مستوى تدبير الأمور العامة. ويرى جورج سارتون أن الدين الإسلامى كقوة فكرية جمعت قلوب الناس على التوحيد كان سبباً أصيلاً فى انتشار العلم الإسلامى الذى غزا العالم أجمعه، وعلى الأخص فى العصور الوسطى، وانتصار الدين الإسلامى ممثلاً فى العلم الإسلامى حدث كنتيجة حتمية لقوة العقيدة والإيمان كمصدر للطاقة المحركة لنشاط المسلمين، وللمنهج العقلى وقدرة المسلمين آنذاك على نقل وإعادة وتطوير دروس الماضى من خبرات الأمم المختلفة. ويمكن أن نجمل القول فى نهاية الحديث عن ملامح التربية الأخلاقية فى الإسلام بأن هذه التربية تستهدف تنمية الاتجاهات الدينية الإسلامية السليمة مثل الاعتزاز بالدين الإسلامى ، واستعلائه على الضلال، والتسامح والتواضع، والأخوة فى الإسلام، وسعة الأفق ولين الجانب والوسطية، وكذلك دعم قيم التعاون والديمقراطية، وتعود السلوك الاجتماعى السوى ، والمشاركة الإيجابية الخيرة، واكتساب روح البذل والعطاء، والنفور من روح الأثرة، والأنانية وحب الظهور، وتنمية الحس الدينى الذى يولد حيوية الشعور الإسلامى فى الاستحياء من الله والتأثر بالحسن والقبح من الأقوال والأفعال، واتخاذ الإسلام مقياساً ومعياراً فى الحكم على الأشياء كلها. [email protected]