كشفت وثائق وزارة الخارجية الأمريكية، التى تم تسريبها من خلال موقع "ويكيليكس" الشهير، عن تورط الخارجية الأمريكية فى جهود غير قانونية لاختراق المجتمع المصرى وخداع المؤسسات الرقابية المصرية، من خلال تسريب الأموال غير القانونية لبعض المنظمات الحقوقية عن طريق "جهة وسيطة" لكى لا يعرف مصدر الأموال الحقيقية التى مولت أنشطة تلك المنظمات، كما كشفت الوثائق عن أن بعض النشطاء المصريين كانوا يتعاملون مع السفارة الأمريكية فى القاهرة بوصفها مصدر السلطات الحقيقى فى مصر، حتى أنهم كانوا يتقدمون للسفيرة الأمريكية بالشكوى ضد الحكومة المصرية أو أحد وزرائها، وتعدهم السفيرة بالتدخل، وكذلك تكشف الوثائق عن قيام نشطاء فى مراكز حقوقية بتسليم نسخ من وثائق وخطابات الحكومة المصرية للسفيرة الأمريكية لاتخاذ اللازم. فقد فجر موقع ويكيليكس، الذى أسسه الصحفى الأسترالى جوليان أسانج، مفاجأة مدوية بكشفه عن برقيات جديدة من السفارة الأمريكية فى القاهرة تفيد قيام الولاياتالمتحدة باستغلال دول عربية ومنظمات ممولة أمريكيًا فى الدول العربية لتحويل أموال إلى منظمات مصرية حقوقية للتمويه على التمويل الأمريكى المباشر لها وإبعاده عن أعين الحكومات العربية. حيث قالت البرقية رقم " 09CAIRO748"، الصادرة من السفارة الأمريكية فى القاهرة بتاريخ 30 إبريل/نيسان 2009 والموجودة على الرابط التالى: http://wikileaks.org/cable/2009/04/09CAIRO748.html وتحمل البرقية الدبلوماسية تصنيفًا "سرى"، والمشفوعة باسم السفيرة الأمريكية لمصر فى ذلك الوقت مارجريت سكوبى تقول فيها "إن المنظمة المصرية لحقوق الإنسان تلقت تمويلاً من منظمة مغربية لعقد مؤتمر فى القاهرة عن حرية الصحافة فى يناير 2009". ثم وضعت السفيرة الأمريكية بين أقواس أن هذه المنظمة المغربية، واسمها مركز حرية الإعلام، هى فى حقيقة الأمر ممولة من برنامج مبادرة الشراكة الشرق الأوسطية (ميبى) الذى أطلقه الرئيس الأمريكى السابق، جورج بوش، بعد أحداث11 سبتمبر ويخضع للخارجية الأمريكية. وبرنامج مبادرة الشراكة الشرق الأوسطية، هو أحد الأذرع التمويلية لوزارة الخارجية الأمريكية، وتأسست فى 12 ديسمبر/كانون أول 2002 "للتواصل المباشر مع الناس والاستثمار فى شعوب منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا". وتقول المبادرة على موقعها إنها قدمت أكثر من 530 مليون دولار فى المنطقة العربية فى أكثر من 17 دولة. هذا فيما تعد البرقية أول دليل على ترابط المؤسسات الممولة أمريكيًا فى العالم العربى لتفادى الرقابة الحكومية كما تثير تساؤلات حول كيفية قيام منظمة غير حكومية صغيرة فى دولة عربية نامية مثل المغرب العربى بتمويل منظمة فى دولة نامية هى الأخرى مثل مصر. هذا وجاءت تلك المعلومات الأخيرة المتعلقة باستغلال الدول العربية فى تحويل الأمول فى الوثيقة فى سياق أن وزارة التضامن الاجتماعى فى مصر كانت قد سلمت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، وهى واحدة من أقدم المنظمات المدنية فى مصر، خطابًا يوم 27 إبريل/نيسان من نفس العام، قالت الوزارة المصرية فيه إنه يحق لها قانونًا حل المنظمة المصرية لحقوق الإنسان "لتلقيها تمويلاً أجنبياً غير مصرح به". هذا ويقول موقع المنظمة المصرية لحقوق الإنسان إن رئيسها هو هشام قاسم والأمين العام لها هو حافظ أبو سعدة. وتتحدث البرقية، التى حصلت وكالة أنباء أمريكا إن أرابيك على نسخة منها، عن توجه حافظ أبو سعدة بعدها للشكوى للسفارة الأمريكية ضد وزارة التضامن الاجتماعى المصرية. وأن السفارة الأمريكية وعدته، بحسب البرقية، أنها ستقوم بالتدخل على أعلى مستوى لكن دون إعلان. وقالت إن التدخل علانية قد يأتى بنتائج عكسية. غير أن البرقية قالت إن السفارة خاطبت وزارة الخارجية المصرية بخصوص رسالة وزارة الشئون الاجتماعية. وقالت البرقية على لسان السفيرة: "نعتقد أن الحكومة المصرية على الأرجح لن تخاطر بحدوث غضبة دولية ومحلية ستنتج فى حال قيامها بحل المنظمة غير الحكومية، وعليه فإن أمريكا عليها أن تتفادى أية تعبيرات عن الرأى فى العلانية يمكن أن تغير حسابات الحكومة المصرية". وتظهر البرقية التعاون الوثيق بين المنظمة المصرية لحقوق الإنسان التى يرأسها هشام قاسم، وأمينها العام حافظ أبو سعدة، بحسب موقعها، وبين الدبلوماسيين الأمريكيين. حيث تقول الوثيقة إن أبو سعدة سلم يوم 29 إبريل/نيسان 2009 إلى السفارة الأمريكية، التى تمثل دولة أجنبية، نسخة من الخطاب الحكومى الرسمى لوزارة التضامن الاجتماعى المصرية. هذا ولا يعلم إذا ما كان أبو سعدة يحمل الجنسية الأمريكية أم لا. وفى سياق متصل، نقلت البرقية عن أبو سعدة قوله للسفارة إنه يجرى "مناقشات حاليًا مع السفارة الهولندية فى القاهرة للحصول على تمويل مشروع لمراقبة الانتخابات البرلمانية". وقالت البرقية: "أدلى أبو سعدة بملاحظة أن المنظمة المصرية لحقوق الإنسان تقبل بشكل روتينى تمويلات من أوروبا، ومن الوقف القومى الأمريكى للديمقراطية. وقال إنه من المعتاد ألا تحصل المنظمة المصرية لحقوق الإنسان على موافقة من الوزارة لكنها كانت أول مرة تتلقى خطابًا يذكر المنظمة بحق الوزارة للتضامن الاجتماعى فى حلها...وأبدى اندهاشه من أن الحكومة المصرية أرسلت للمنظمة المصرية هذا الخطاب قبل زيارة مبارك المزمعة إلى واشنطن". يأتى هذا الكشف فى وقت تشهد فيه مصر حاليًا سجالاً حول ولاء منظمات وأفراد المجتمع المدنى الذين تدعمهم واشنطن فى مصر فى فترة ما بعد الثورة وتلقيهم أنواعًا من الدعم سواء كان ماليًا أو عينيًا أو سياسيًا. وتفجر الجدل بعد انكشاف عدة لقاءات غير معلنة بين شخصيات اعتبارية مصرية ومسئولين أجانب تناولت الأوضاع فى مصر مثل الكشف عنها مؤخرا صدمة للكثير من المصريين. يذكر أن جنديًا أمريكيًا خدم فى العراق قد سرب إلى موقع ويكيليكس الذى يروج للشفافية فى السياسة الدولية بين شهرى نوفمبر/ تشرين الثانى عام 2009 ومايو /آيار عام 2010 وثائق عسكرية أمريكية سرية عن حربى العراق وأفغانستان، إضافة إلى 260 ألف من برقيات وزارة الخارجية الأمريكية شمل بعضها الكثير من الأسرار عن صلات ولقاءات غير معلنة لمصريين مع سفارة الولاياتالمتحدةالأمريكية. هذا وتحدث برقيات أخرى عن مدى تغلغل النفوذ الأمريكى فى مصر والتمويل الأمريكى الذى يقدم لها وشمل مناحى كثيرة فى الحياة فى مصر. هذا ويمكن الاطلاع مباشرة على الوثيقة ومراجعتها بالكامل على الرابط التالى: http://wikileaks.org/cable/2009/04/09CAIRO748.html