كان توحد المصريين هو العامل الأهم فى إنجاح ثورة 25 يناير المباركة، والتى كانت بحق ملحمة شعبية أثارت إعجاب العالم وكسبت احترامه، وأعادت للمصريين الشعور بالفخر والكرامة للمرة الأولى بعد عقود شعروا فيها بالمهانة والإذلال، فلا فرق بين مسلم ومسيحى، أو إسلامى وليبرالى ويسارى، فالكل خرج إلى الشارع بعد أن توافقوا على تحقيق هدف واحد لا يقبل القسمة على اثنين: "إسقاط النظام"، وكان للمصريين ما أرادوا، حيث استطاعوا كسر الأغلال والتحرر من قبضة نظام بوليسى جثم على أنفاسه لعقود، دون أن نغفل دور الجيش والتحامه مع الشعب وهو ما جعلها بحق "ثورة بيضاء". إلا أنه سرعان ما توارت تلك الصورة المثالية، وحلت مكانها صورة أكثر قتامة جعلت المصريين يضعون أياديهم على قلوبهم فزعًا وخوفًا على ثورتهم ومستقبل بلدهم وهم يتابعون حالة الصراع السياسى المحموم والتراشق والاستقطاب الحاد على الساحة، بعد أن غابت روح الثورة وحلت محلها حالة من الشد والجذب بين الفرقاء السياسيين، طمعًا فى الفوز ب "كعكة السلطة"، وهو ما ساعد على خلق بيئة خصبة لنمو تلك الكائنات الطفيلية وخفافيش الظلام الساعية إلى تدمير البلاد وإغراقه فى حالة من الفوضى العارمة، كما ظهر فى محاولات عدة وعلى فترات متفاوتة، الأمر الذى يخيف السواد الأعظم من المصريين خشية الدخول إلى نفق مظلم يضفى غموضًا على مستقبل البلاد. هذا الشعور لم يتبدد حتى ونحن نصوت لمصر حرة فى أول انتخابات ديمقراطية حقيقية، مخافة أن يقوم "الفلول" وأنصار الرموز البائد الذين يسوءهم كثيرًا أن يروا مصر تطوى صفحة طويلة من الاستبداد بضرب "كرسى فى الكلوب". وهذا يتطلب عاجلاً لا آجلاً، أن يسارع المصريون لاستعادة روح ثورة يناير، وأن يقفزوا على المصالح الحزبية والفئوية، وأن يتجهوا بقلب مفتوح إلى حوار "وطنى" بمعنى الكلمة ما أحوجنا إليه فى هذا التوقيت، للبحث عن طوق نجاة يقود الثورة إلى بر الأمان، يضع فيه الجميع مصلحة البلاد العليا فوق كل اعتبار بعيدًا عن المكاسب الضيقة، دون استخدام خطاب التخوين والتخويف، وهذا ليس بمستحيل إذا توافرت النية الصادقة من الجميع ونحيى الفرقاء خلافاتهم جانبًا من أجل مصر، كما حدث قبل عام من الآن، عندما ذاب المصريون فى ميادين مصر المختلفة، وتآلفت قلوبهم وتوحد هتافهم: "الشعب يريد إسقاط النظام"، وألا ندع الفرصة لهؤلاء المتاجرين بالوطن ومرتزقة" الفضائيات من محترفى "العكننة" على الشعب، بعد أن خطونا الخطوة الأولى بنجاح على طريق بناء "دولة الحرية"، وعلينا أن نحترم قولاً وفعلاً نتائج الاستحقاق الانتخابى، لأن ذلك يعنى احترام إرادة المصريين وخياراتهم. وإذا كنا نتحدث عن دستور توافقى يشارك الجميع فى صياغته، وبما يعكس حالة التنوع السائدة فى المجتمع، فيجب ألا يكون ذلك على حساب الثوابت، وأن يتوقف الذين - ما فتئوا - يستخدمون الإسلاميين "فزاعة" لإرهاب الأقباط شركاء الوطن والمصير عن المتاجرة بهذا الملف.. فالوطن باق والأفراد إلى زوال. [email protected]