يسجل الملياردير دونالد ترامب الطامح للفوز بترشيح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأمريكية حالة غير مسبوقة لسياسي مسكون بهوس من نوع خاص حيث يهاجم بفظاظة في جهات واتجاهات عديدة داخل أمريكا وخارجها، ورغم ذلك مازالت استطلاعات الرأي العام تمنحه الأرجحية بين جميع المرشحين الجمهوريين، إذ نال 38% بحسب استطلاع أجرته "واشنطن بوست" و"ايه بي سي" ونشر الثلاثاء الماضي بعدما كثف من تصريحاته الاستفزازية، وأدلى بأخرى معادية للمهاجرين والمسلمين. الأصل أن المرشح الساعي في الانتخابات التمهيدية للرئاسة لنيل ثقة أعضاء حزبه سواء كان الحزب الديمقراطي أو الجمهوري يجتهد لتقديم خطاب توافقي عقلاني سياسي جاذب لكل الفئات والشرائح والقوى السياسية والاجتماعية المنتمية للحزب، وفي نفس الوقت تكون عينيه على الشعب الأمريكي كله لإغرائه للتصويت له، كما يتودد للأقليات لتأكيد جدارته بأنه سيكون رئيسا لكل الأمريكيين بمختلف تنويعاتهم، لكن ترامب يستهدف - بخطابه الخارج عن السياسة وقيمها والمغرق في الهجومية والحدة والعنصرية - التيارات المتشددة والمحافظة والجماعات المسيحية الصهيونية بين الجمهوريين ويكيل المديح لليهود وإسرائيل، وهذه التيارات لها الكفة العليا في تركيبة الحزب، لذلك يستهويهم بخطابه الاستفزازي، وإذا جاز الوصف فهو مرشح صهيوني ليكودي تحكمه رؤية غير عقلانية تنزع للتطرف وتعظم مبدأ القوة على مبدأ العقل والتسامح والانفتاح. مازال هناك بعض الوقت لتتغير أسهم المرشحين داخل الحزب الجمهوري، أو تدرك قيادات الحزب أنهم بمثل هذا المرشح يمكن أن يقودوا أمريكا إلى فترة أسوأ من السنوات الثماني لوجود بوش الابن في البيت الأبيض بحروبه العبثية التدميرية. هناك رهان على مرشح عاقل تصعد أسهمه فجأة، ليطيح بذلك المهرج الفاشي ترامب، لكن الكارثة ستكون لو صار هو المرشح الجمهوري فعلا، هذا سيعني أن المجتمع الأمريكي يسير في اتجاه اليمين المتشدد مثل بلدان أوروبية تشهد صعودا للمتطرفين من اليمين العنصري الكاره للأجانب وخصوصا المسلمين. المهووس الآخر والمسكون بفكرة القوة القاهرة وأن الغلبة لابد أن تكون لها لاستعادة كبرياء قديم كان يوما للإمبراطورية السوفيتية قبل تفتتها وسقوطها هو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والغزل المتبادل بينه وبين ترامب خلال اليومين الأخيرين يكشف أننا أمام صعود قيادات سياسية لدول كبرى تتحكم في تقرير مصير العالم، هذه القيادات تتخلى عن السياسة كمفاتيح لإدارة الخلافات الدولية والإقليمية وحل أعتى الأزمات، وإهمال مبادرات السلام والحوار وتتجه إلى التصعيد وتغليب اللجوء للقوة، وتسير على نهج سياسة فاشلة مدمرة وضعها دونالد رامسفيلد وزير دفاع بوش الابن وهى الصدمة والترويع لإخضاع الدول والشعوب. بوتين قال الخميس الماضي إن ترامب رجل لامع وموهوب، وهو المرشح المفضل بلا منازع في السباق الرئاسي!، نتنياهو مثلا لم يمدح ترامب بهذا الشكل الكاشف لغياب سوء التقدير وعدم دقة التقييم وخطأ الحسابات. في اليوم التالي رد عليه ترامب باللغة نفسها قائلا: بوتين قائد قوي متمكن، وخلال السنوات الماضية احترمه الروس بوصفه قائدا، واعتقد أن شعبيته تصل إلى 80% في حين أن الرئيس باراك أوباما يحظى ب 30 إلى 40%!. الاثنان وجهان لعملة واحدة، وتخيلوا لو دخل ترامب البيت الأبيض، ومع وجود الأحمق بوتين صاحب المواهب السياسية المحدودة في الكرملين فإننا سنكون أمام مهووسين يقودان العالم إلى الخراب والدمار وليس السلام والاستقرار، فهذا مسيحي أرثوذكسي في الشرق، وهذا مسيحي صهيوني في الغرب، ونحن العرب والمسلمون سنكون مسرحا أكثر دموية وبشاعة لأحقاد وكراهية الاثنين، الكنيسة تبارك حرب بوتين في سوريا، وتطلق عليها وصف "مقدسة" وهو وصف مرتبط بالحروب الصليبية، وترامب تدعمه كنائس متنوعة، لكنها شديدة المحافظة، تميل للتشدد، وتبشر بالحرب الكونية الأخيرة الساحقة التي تمهد لظهور المسيح المخلص، أي سنكون أمام سياسات عدوانية تغذيها أفكار دينية، وهذا خطر ويجر العالم مع المتطرفين الذين يرفعون شعارات إسلامية حرائق تشمل الكوكب كله. ماذا كانت نتائج حرب بوتين المقدسة في سوريا التي تقترب من إكمال شهرها الثالث؟. مزيد من القتلى المدنيين، نساء وعجائز وأطفال ورجال، ومزيد من المشردين والفارين خارج سوريا، ومزيد من قصف المخابز والمدارس والمستشفيات والمساجد، ومزيد من العربدة والبلطجة والاستباحة للدم السوري العربي المسلم، يفعل القيصر ما يحلو له، في البلد المنكوب، ويرتكب ما يشاء من جرائم لدعم بقايا نظام حكم هو الأسوأ في تاريخ البشرية في هذا العصر، يواصل جريمته في ظل التواطؤ الغربي، والانسحاق العربي، بل بيننا نحن العرب من يشجع سفكه للدماء العربية. وهذا الذي "يتحنجل" في أمريكا قد نفاجأ به صباح يوم قاتم رئيسا للقوى العظمى التي تهيمن على منطقتنا، ومفاتيح القرار في شؤونها مازالت بيديها للأسف، ساعتها لا نضمن ما هو مخبوء لنا لديه من جنون وفاشية. وهنا سنكون أمام الروس والأمريكان والأوروبيين يعيدون رسم خرائط منطقتنا وفقا لمصالحهم وتقسيماتهم وأهوائهم وخططهم، ونحن لا نملك من أمرنا شيئا. التاريخ يعيد نفسه عندنا دوما بالسيناريوهات والطرق والأساليب نفسها، ولا نتعلم شيئا. أمة الخيبة العظمى. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.