يبدو أن المواجهة بين السلطات النيجيرية وجماعة بوكو حرام الإسلامية المتشددة باتت مفتوحة على كافة السيناريوهات، وخاصة بعد إعلان الجماعة أنها أمهلت المسيحيين الذين يعيشون في شمال البلاد ذي الأغلبية المسلمة ثلاثة أيام للرحيل، وإلا فإن الأسوأ مازال بانتظارهم. ولم يقف الأمر عند ما سبق ، حيث نقلت وسائل الإعلام النيجيرية عن أبو القعقاع المتحدث باسم الجماعة القول أيضا :"ندعو كذلك إخواننا مسلمي الجنوب (حيث الأكثرية مسيحية) إلى العودة إلى الشمال لأننا نملك إثباتا على أنهم سيتعرضون للهجوم". واللافت للانتباه أن التصريحات السابقة جاءت بعد ساعات من إعلان الرئيس النيجيري جودلاك جوناثان حالة الطوارئ في عدد من مناطق شمال البلاد لمواجهة "بوكو حرام" بعد التفجيرات التي نفذتها على عدد من الكنائس في الشمال في 25 ديسمبر خلال احتفالات أعياد الميلاد والتي أسفرت عن مقتل حوالي 50 شخصا وإصابة عشرات آخرين بجروح. بل وهدد مسيحيو نيجيريا أيضا باللجوء إلى العنف في حال تواصلت الاعتداءات بحقهم، الأمر الذي ضاعف المخاوف حول احتمال اندلاع حرب طائفية وعرقية في تلك الدولة الإفريقية ، خاصة وأنه يوجد شمال فقير أغلبيته من المسلمين وجنوب أكثر ثراء أغلبيته من المسيحيين، هذا بالإضافة إلى الاشتباكات العرقية والتي كان آخرها الاشتباكات التي اندلعت بين قبيلتي "ازا" و"ازيلو" في منطقة اشيلو بولاية "ابوني" في شرق نيجيريا خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية بسبب خلاف على امتلاك أراض زراعية وأسفرت عن مصرع حوالي 52 شخصا. وبالنظر إلى أن نيجيريا دولة غنية بالنفط وعلى علاقة وثيقة بالغرب، فإن من هناك لم يستبعد تدخل واشنطن على خط الأزمة، خاصة وأن "بوكو حرام " أعلنت قبل فترة انضمامها لتنظيم القاعدة، كما أعلنت مسئوليتها عن الهجوم الانتحاري الذي استهدف في أغسطس 2011 مقر الأممالمتحدة في أبوجا وأدى إلى مقتل 25 شخصا. ولعل تعليق صحيفة " الإندبندنت" البريطانية على التفجيرات التي وقعت في أعياد الميلاد بنيجيريا ترجح صحة ما سبق، حيث أكدت أن الصراع المتنامي هناك لا ينبغي تجاهله، داعية الدول الغربية إلى تقديم الدعم للرئيس النيجيري جودلاك جوناثان في هذا الصدد. وقالت في افتتاحيتها إن العام المنصرم شهد عدة حوادث من شأنها أن تشكل مبررا للتفاؤل، منها مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، والانسحاب من العراق، واندلاع الثورات العربية، غير أن التطورات الأخيرة في نيجيريا تبدد مشاعر التفاؤل، مشيرة إلى أن "بوكو حرام" تتمدد في إفريقيا بشكل خطير. وردا على من يدعو إلى الحوار معها، قالت الصحيفة :" إن تشتت أعضائها في أرجاء نيجيريا والكاميرون وتشاد والنيجر يحد من قدرتها على توحيد كلمتها، فضلا عن أنه لا يوجد ما يدل على استعدادها للمصالحة". وانتهت إلى القول :" خطر مثل هذه الجماعات لا ينبغي التقليل من شأنه، عدم التحرك لمعالجة هذه المسألة لا يمثل خطرا يحدق بنيجيريا وحدها أو بشمال إفريقيا فحسب، بل بالغرب أيضا". ورغم أن نيجيريا طالما شهدت توترا طائفيا من حين لآخر بين مسلمين ومسيحيين، حيث قتل وأصيب المئات في أعمال عنف بين الجانبين خلال السنوات الماضية، إلا أن ما يضاعف قلق الغرب أكثر وأكثر أن حملات أمنية سابقة فشلت في القضاء على "بوكو حرام". فمعروف أن "بوكو حرام" التي تسعى لتطبيق الشريعة الاسلامية في عموم نيجيريا وليس في الشمال فقط وتسمى أيضا ب "طالبان نيجيريا" هي مجموعة مؤلفة من طلبة تخلوا عن الدراسة وأقاموا قاعدة لهم في قرية كاناما بولاية بوشي شمال شرقي البلاد على الحدود مع النيجر. وعند تأسيسها في يناير 2004 ، كانت الحركة تضم نحو مائتي شاب مسلم بينهم نساء ومنذ ذلك الحين تخوض من حين لآخر مصادمات مع قوات الأمن في بوشي ومناطق أخرى في شمالي البلاد . وفي السادس والعشرين من يوليو 2009 ، اندلعت اشتباكات دامية استمرت خمسة أيام بين قوات الأمن وجماعة "بوكو حرام" ، ما أسفر عن مقتل 700 شخص، وكان الحدث البارز في تلك الاشتباكات هو مقتل زعيم الحركة محمد يوسف. ومع أن السلطات النيجيرية أعلنت حينها أنها تمكنت من القضاء على الحركة التي تدعو أيضا إلى ما تصفه بتطهير نيجيريا من مظاهر التعليم الغربي والفسق والفجور، إلا أن التطورات بعد ذلك أثبتت عكس ذلك ، ففي 16 أغسطس 2009 ، أعلنت جماعة "بوكو حرام" رسميا الالتحاق بتنظيم القاعدة وسرعان ما زادت من وتيرة هجماتها، ولذا يعتقد على نطاق واسع أن الأسوأ مازال بانتظار نيجيريا ومصالح الغرب هناك.