سيدي، نحييك وقد تبوأت – اليوم- في سدّة الحكم الجزائري، مكانا عليا، وارتقيت في سلّم مناصب دولتنا، أعلى الدرجات رقيا، اليوم وقد أصبحت رجلا عاما، لا مجال فيه لعلاقات الصداقة، نحييك، باسم مواطنين أحبوك، وهم كثر، ومؤمنين قدروك، يدفعهم الصدق والطهر.. ونقول لك ما قال خالقنا لكل مؤمن : " إقرأ " وعدّد قراءاتك ! اقرأ كتاب ربّك، بصدق ورويّة، كي تستلهم منه علاج أمراض شعبك بإيمان ووطنية، إقرأ كتاب الجزائر، بتمعن وموضوعية، وسيتراءى لك في شكل كتاب الأدغال. إنه كتاب مصنوع ومطبوع في شكله من الحسن والجمال، ولكنه ممزوج في كنهه وجوهره من الآلام والآمال. ستجد في أدغال الجزائر، الأسد، البارزة أنيابه في ابتسامة صفراء، والنمر الحادة مخالبه، بثياب الظرفاء... غابة الأدغال الجزائرية هذه، هي التي يتعايش فيها الفرد الإنساني، والقرد البهلواني،هذا يركض ويتملق، والآخر يرقص ويتسلق.. فأعجب، يا سيدي، لحديقة يجتمع فيها الثعلب بغدوه ومكره، والغزال بضعفه وطهره.. إنك مدعو إلى التعامل مع هذه الأجناس المتناقضة، بعصا " السيرك" السحرية كي تدفع بلاء هذا، وتتقي مكر ذاك، وأنا أعلم أنك لا تملك هذه العصا السحرية، وكم نشفق عليك من كل ذلك! واقرأ- يا سيدي – كتاب الجزائر في عيون شعبك، الغائرة، الفاترة فهي تنبئ عن أسرار حزينة، وآلام دفينة، توشك أن تفجر مشاعر الحقد والضغينة. إنك مدعو يا سيدي، إلى التعامل مع عهد تشابكت فيه السلطات، وتنافرت به القوات، وتداخلت لديه الصلاحيات، إنك تسير وسط حقل ملغّم بالقنابل الموقوتة، زرعتها سلوكات ممقوتة، ومالك من وسيلة للخلاص، إلا أن تمد يدك للأصفياء والأنقياء، ممن نبذتهم غابة الأدغال...غابة التملق في الطباع والخصال، ودنيا الفساد في النوايا والأعمال، فلا يغرنك جلال اللقب، عما ألفناه فيك من دماثة الخلق، وصدق الانتماء والنسب، فبين الإحراق والإشراق، وبين الاحتراف والاحتراق، يكون الامتحان العسير، وحرية التحكم في المصير. ستجد نفسك – يا سيدي- وجها لوجه أمام مشاكل الجزائر الحقيقية، وقد فُتحت أمامك كل الأبواب الظاهرة والخفية، ومُكّنت من الملفات الخاصة والسرّية، فاقرأها كما تقرأ الكتاب الجيد بحكمة وروية. ومن مشاكل الجزائر، ما يلسع عينيك به هذا القبح المحيطي المشين، وما يقض ضميرك به، هذا النشاز الثقافي الهجين.... فتخال نفسك في أي بلد إلا في الجزائر العربية المسلمة ... فحرر شخصيتنا – يا سيدي، وأنت الوطني العروبي المسلم- من جلد الذات، وعمق المعاناة بإصدار القوانين التطبيقية الرادعة، التي تعيد الكلمة العربية إلى إعلامنا، والحرف العربي إلى واجهات محلاتنا وإشهارنا، فتقضي بذلك على بعض ألسنتنا المرقعة، وعلى شخصيتنا الممزقة المقطعة. استعن – في ما ستقوم به- بقراءة الدستور قراءه دقيقة وعميقة، وستجد أن الدستور في جوهره ومضمونه، شيء رائع وجليل، ولكنه في تطبيقه، كلام مظلوم وعليل. وفي الجزائر- يا سيدي- طبقة من السماسرة والوصوليين، تنفذت بقوة المال، وتجبرت بسطوة الحكم، فنبتت، كالأشجار الميتة على الظلم، والغرم. فهل نطمح، يا سيدي، في أن تعيد للجزائر قيم العدل للمظلوم في مبناه ومعناه، هذا العدل الذي ودعناه، وهل تعيد الوعي الجماهيري، بحقوق الوطن والمواطن الذي مات وفقدناه؟ لا عذر لك – بعد اليوم- وقد أصبحت السلطة التنفيذية، ملك يمينك، وآمال المواطنين، متعلقة بتخطيطك وتدبيرك. فاقلع جذور الفساد باقتلاع، بذور الفاسدين و سوء تسيير بعض المسيريين واضرب بيد من حديد، كل اللصوص، والمتربصين بالمال العام، من أفاعي البشرية، الزاحفين على بطونهم كالخفافيش في الظلام. حرر ضميرك من عقدة ذنب المظلومين من المسجونين، والمطرودين، والمفقودين، والمنبوذين، فأعد الابتسامة إلى شفاههم، والعدل إلى جباههم، والاستقرار إلى خيامهم، إذا أردت أن يعم شعبك الوئام، وأرضك السلام وحكمك البقاء والدوام. أحط نفسك ببطانة من أهل الذكر والفكر الذين يرشدونك إلى الخير، ويدلونك عليه. وانبذ عنك بطانة السوء، من أهل الشر والمكر، الذين يحولون القصر إلى قبر، ويحولون التراب إلى قبر. فيا رئيس حكومتنا....إن التاريخ الوطني فاتح كتابه، وإن سؤاله منتظر جوابه، وحسابه...واذكر دوما، أن الأيام صحائف يخلد فيها جميل الذكر، وصادق الشكر....وأن هذه السلطة لو دامت لغيرك، ما آلت إليك... فستذكر ما أقول لك، فالكل يتساءل وينتظر، وجلهم يريدك أن تنتصر، وعندك وحدك – لا سواك- حسن الأثر، وصدق الخبر.