الأمور كلها منذ الخروج النهائى من ميدان التحرير – والتى لم تمنع العودة الرمزية إليه- تدفع وبقوة إلى ضرورة التصديق بأن انقلابًا حقيقيًا حدث على الثورة وعلى الشعب المصرى بأكمله، وهذا فى الحقيقية مرده إلى الفواعل السياسية والأفعال السياسية . فالفواعل السياسية فى المرحلة الانتقالية تلعب دورًا جوهريًا بامتياز فى عرقلة المسيرة نحو الديمقراطية الحقيقية، وهنا يمكن الحديث أولا عن الدور المحورى للدولة العميقة فى مصر، ويشير هذا المصطلح ببساطة إلى شبكة من الأفراد و المنظمات المترابطة مع بعضها البعض بتحالفات تقوم على وجود مصالح متداخلة ومتعانقة ببعضها البعض، وهذه الشبكة تمتد بشكل أفقى ورأسى فى كل مؤسسات الدولة والتى تحوى داخلها مؤسسات ثقافية وعسكرية وأمنية و.. إلخ، الأمر الذى يعمل على حماية مصالح أفراد الشبكة ككل، هذه الشبكة تعمل فى تناغم وثقة طالما أنه لم يمتد إليها يد التطهير الحقيقى الجذرى والعميق، كذلك تؤثر هذه المنظومة المتكاملة على طريقة تفكير وعمل كل من يعمل أو يتعاون معها بشكل لصيق، وبالتالى يصبح جزءًا من الآلة رغم أنه لم يكن سابقًا بشكل كامل أو شبه كامل جزء منها، وبالتالى يكون من البديهى للغاية أن نرى الأفعال مكملة لسياسة نظام سقط رأسه وبقى جسده قابعًا بكل قوة وعنفوان أمام معاول الهدم الهزيلة والتى تآكلت قوتها يومًا بعد يوم بسبب عدم تكاثف أصحابها، وبالتالى كان من البديهى للغاية أن يكون لدينا حكومة "تأزيم" وليس "تسيير" لأنها تعمل فى كنف الآلة نفسها، لذا سبب أدائها أزمات متتالية يمكن حسابها بواقع أزمة "عاصفة" كل عشرة أيام، كان من البديهى أن يتحول الإعلام الحكومى من تأليه رأس النظام السابق إلى تأليه رأس النظام الجديد ومؤسساته وجعلهم "خط أحمر". أما الإعلام الخاص فحدث ولا حرج على انعدام المهنية وزيادة بث الفرقة بين نسيج المجتمع. كان من البديهى أن يتم إنذار ومداهمة، بل وإغلاق الفضائيات التى كشفت زوايا من وجه النظام (على الرغم أن مثل هذا الفعل لم يقدم عليه النظام السابق رغم جبروته)، كان من البديهى أن يستمر إدارة ملف المسلمين والمسيحيين فى مصر كما أدير فى السابق باعتباره ملفًا أمنيًا مستعصى الحل يديره أمن الدولة بأعوانه من داخل الكنيسة ومن المسلمين مع استبعاد أى جهود مجتمعية حقيقية لإنهائه كما حدث فى عرقلة أعمال لجنة العدالة الوطنية وعدم تشكيلها بشكل قانونى حتى كتابة هذا المقال، بالرغم أن تجربة ال 18 عشر يومًا كشفت أنه لا يوجد صحة لما تم الترويح إليه من طائفية قاتلة بين مسلمى ومسيحى مصر. وأيضًا كان من البديهى إعداد قائمة بالنشطاء السياسيين- هذه القائمة التى لم يستطع مستشارو مبارك إعدادها لمعرفة من يحرك الثورة- ومحاكمتهم عسكريًا فمنهم من أفرج عنهم ومنهم من ينتظر "العفو أو نحبه" فى السجون العسكرية، وبالرغم من ارتكاب بعضهم لأخطاء يحاسب عليها القانون لكن ليس من الطبيعى أن تتم محاكمتهم عسكريًا فى الوقت الذى يتم فيه محاكمة من أفسدوا البلاد وعذبوا وقتلوا العباد مدنيًا وعلى أسرة الرحمة!. ومن البديهى أن يظهر أمن الدولة أقصد "الأمن الوطنى" وبطش الداخلية وتعذيب المواطنين وقتلهم ودهسهم "خطأ"، من البديهى أن تنسب كل جرائم الطائفية والدهس والقتل والاختطاف إلى أشباح فى كثير من الأوقات وإلى جهات خارجية لا يعلن عن اسمها، من البديهى أن تظهر المبادئ فوق الدستورية بمسميات مختلفة لتصفع الجميع وتلهيهم عن الاستمرار فى المسير نحو الديمقراطية وهذا بالقطع دليل على مدى فشل من يدير البلاد فى تسيير المرحلة الانتقالية بالشكل الذى رسمه الشعب بنفسه!! وللحديث بقية [email protected]