تسعى الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى فرض سيطرتها على وسط آسيا ومنع قيام حكومات إسلامية قد تمثل عائقاً أمام تحقيق الأحلام الأمريكية في المنطقة، واسترجاع عصر الإمبراطوريات العظمى، وقد وجدت واشنطن ضالّتها في السيطرة على أفغانستان من خلال حكومة ظِل تعيش في حمى الاحتلال، وانضم إلى هذا التحالف الجنرال برويز مشرف الذي جاء إلى سدة الحكم على ظهر دبابة في عام 1999م مطيحاً بحكومة نواز شريف. وأخذ "مشرف" في الانصياع إلى المطالب الأمريكية واحدة تلو الأخرى في طريق القضاء على الصحوة الإسلامية في باكستان عن طريق إغلاق المدارس الدينية، واعتقال قيادات الإسلاميين، والقضاء على جماعات المعارضة في مهدها، مما جعل الجنرال يلقى معارضة عنيفة وسط الشعب الباكستاني. ووسط هذه الأحداث المتداخلة في المنطقة والتي أوجدها الاحتلال الأمريكي، وضعت واشنطن حليفها في مفارقة أمام الشعب الباكستاني عندما قصفت مجموعة منازل فقيرة في منطقة باجور القبلية شمال غربي باكستان، تحت دعوى استهداف الرجل الثاني في تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، مما أسفر عن سقوط (18) قتيلاً ما بين طفل وامرأة وعجوز، مما أثار غضب الشعب الباكستاني الساخط على الإدارة الأمريكية وممارساتها في المنطقة. هذه الحادثة دفعت آلاف الباكستانيين للخروج إلى الشوارع، يهتفون بسقوط مشرف، ليس فقط لصمته على تلك الغارة، وعدم اتخاذ موقف حاسم لحماية قبائله من أيادي المخابرات الأمريكية، وإنما لارتباط "مشرف" في أذهان شعبه بأمريكا وموقفه الداعم لسياساتها، فقد شارك الآلاف في مظاهرات في العاصمة الباكستانية إسلام آباد وبيشاور شمالاً، ومناطق أخرى بإقليم سرحد، وفي مدينة لاهور شمال شرق البلاد، من خلال دعوة الجماعات الإسلامية للوقوف في وجه تلك الهجمة ، وتصعيد الموقف ضد الإدارة الأمريكية. وانعكاساً لهذا السخط الشعبي، شنت الصحف الباكستانية هجوماً لاذعاً على الولاياتالمتحدة، فقد كتبت صحيفة (باكستان أوبزيرفر) تقول: إن ما حدث يكشف النقاب عن أن واشنطن تتصرف بموجب قانون الغاب في القرن الحادي والعشرين، مضيفة أنه من المقزز أن تمتنع رايس عن تقديم اعتذار واضح، مما يشير إلى أن الإدارة الأمريكية انتهكت جميع الأعراف والمواثيق والأخلاق بالعلاقات الخارجية. ولعل الموقف الحكومي الذي يرى المراقبون أنه ينم عن ضعف أمام الإدارة الأمريكية، بإدانتها الغارة واستدعاء السفير الأمريكي في إسلام آباد (رايان كروكر) للاحتجاج، دون اتخاذ موقف حاسم يقطع الأيادي المخابراتية داخل أراضي باكستان، لعل هذا الموقف لم يُرضِ الأوساط الشعبية؛ مما دفع عشرات المحامين إلى التظاهر في إسلام أباد تضامناً مع موقف الجماعات الإسلامية، كما تعهّد مجلس العمل المتحد- وهو تحالف للأحزاب الإسلامية الباكستانية- بتصعيد الاحتجاجات، متعهداً بطرح القضية للمناقشة في البرلمان وهو مالا يريح الجنرال مشرف ، ومواصلة الاحتجاجات إلى أن "تنسحب القوات الأمريكية من أفغانستان". وأمام هذه الضغوط الشعبية على الحكومة الباكستانية، رفضت الولاياتالمتحدة الاعتذار وتقديم الأسف لباكستان، ولكن لم يكن من الطبيعي أن تظل الحكومة الأمريكية صامتة دون أن تجد مسوّغات لشن تلك الغارة، فقد أعلنت واشنطن لحفظ ماء الوجه أنها كانت تستهدف حفل عشاء أُقيم على شرف الرجل الثاني الدكتور أيمن الظواهري، ولكنه لم يحضر، لينجو من هذا القصف، ويقع ضحية لها صهره، حسبما ذكرت المخابرات الباكستانية، عبد الرحمن المصري المغربي زوج ابنة الظواهري. ولعل النفي الباكستاني الرسمي الذي جاء على لسان رئيس وزرائها شوكت عزيز حول عدم مقتل عناصر تابعين للقاعدة في هذا القصف سيجعل القضية تتفاعل بشكل أسرع، ويرفع من مستوى السخط الشعبي ويدحض المزاعم الأمريكية، وبالتالي يسقط الحليف الباكستاني مشرف أمام القوة الشعبية الناقمة على مواقفه . وعلى الرغم من ذلك دافع عدد من نواب الكونجرس الأمريكي عن الغارة، وقال عضو مجلس الشيوخ عن الحزب الجمهوري (جون ماكين): "لا يمكن القول بأن ذلك لن يتكرر ثانية في إطار جهود ملاحقة الظواهري". وما يؤكد كلمة السيناتور ماكين حول استمرار تلك الهجمات هو تاريخ التحالف الأمريكي الباكستاني في شن هجمات ضد بعض المناطق التي يُعتقد بوجود عناصر مقاتلة فيها سواء كانت تابعة للقاعدة أو حتى لعناصر طالبان ، كعملية استهداف القيادي في القاعدة حمزة الربيعة المصري الجنسية- في ديسمبر 2005 في هجوم شمال وزيرستان، كذلك اعتقال الرجل الثالث في القاعدة أبو فرج الليبي في مايو 2005 بعد إطلاق نار شمالي غربي باكستان، وغيرها من العمليات. وفي رأي بعض المراقبين أن مثل هذه الضربات المتكررة تضع حكومة "مشرف" في مأزق أمام القوى الشعبية والمعارضة، خاصة وأن "مشرف" يسعى لرسم سياسة خارجية تنطلق في الأساس من البيت الأبيض، كما يسعى لقمع المد الإسلامي داخل البلاد وتطهير الجيش من العناصر المؤيدة للإسلاميين أو طالبان، مما دفع بعض العناصر إلى محاولة اغتياله أكثر من مرة، وتتصاعد أزمة القصف الأمريكي بطرحها للمناقشة في البرلمان الباكستاني، أمام مطالبات شعبية بتنحي مشرف عن الحكم. وفي كل الأحوال تظل حكومة "مشرف" محل جدل وخلاف، أمام علاقة مشبوهة مع الولاياتالمتحدة، وشريك لها في حرب مزعومة على الإرهاب المصدر : الاسلام اليوم