عندما بدأ سباق الانتخابات البرلمانية الأهم في تاريخ مصر الحديث كنت أمزح وأقول : اللهم أيد الديمقراطية بأحد العمرين ، عمرو حمزاوي أو عمرو الشوبكي !!، فإذا بالاثنين يحققان المفاجأة ويفوزان بمقعديهما في مواجهة أهم وأكبر قوة شعبية وسياسية منظمة ، الإخوان المسلمين ، كنت قد كتبت عن فوز عمرو حمزاوي ودلالته ، واليوم من المهم الوقوف عند فوز عمرو الشوبكي ودلالته أيضا . وفي تقديري أن فوز عمرو الشوبكي أهم وأخطر في دلالته من فوز حمزاوي ، لاعتبارات كثيرة ، في مقدمتها أن عمرو الشوبكي فاز على أحد رموز الإخوان المسلمين وليس عضوا عاديا بالجماعة ، بل فاز على الأمين العام لحزب الحرية والعدالة بمحافظة الجيزة ، بما يعني أنه انتزع مقعده في مواجهة قاسية وعنيفة انتخابيا ، لأن عمرو دراج ليس شخصية هامشية في الإخوان ، وعندما ينزل في سباق انتخابي فإن نجاحه هو مسألة رمزية ، وهزيمته أيضا تكون لها رمزيتها ، لذلك خاض الإخوان تلك المواجهة بكل ما أوتوا من قوة ، ولعل دلالات الأرقام تكشف كم كانت تلك الموقعة بالغة الإثارة والروعة ، فقد حصد الشوبكي 165 ألف صوت بينما حصد دراج 155 ألف صوت ، وهو فارق بسيط وغير مألوف في المواجهات الانتخابية ، ويكشف عن ضراوة السباق والجهد المبذول من كل الأطراف ، الأمر الآخر الذي يجعل فوز الشوبكي أكثر أهمية من فوز حمزاوي ، أن حمزاوي فاز في دائرة تمثل شريحة اجتماعية متوسطة وعليا ويقطنها نخبة المجتمع عادة ، دائرة مصر الجديدة ، بينما الشوبكي فاز في دائرة مركزها الأساس "امبابة" ، تلك الكتلة السكانية التي يميل غالبيتها إلى الطبقة الاجتماعية المتوسط والفقيرة ، كما أن امبابة هي أحد أهم مراكز النفوذ التقليدي للتيار الإسلامي بشقيه ، الإخوان والسلفيين ، وشهيرة هي قصة "جمهورية امبابة" التي اختلقها النظام السابق للبطش بنفوذ الإسلاميين هناك ، فأن يحقق عمرو الشوبكي الفوز في تلك الدائرة تحديدا ، فهذا يعني قدرة المرشح الجاد والمعتدل أيا كان انتماؤه على تحقيق اختراقات انتخابية في أي مكان ، مهما كان نفوذ التيار الإسلامي فيها . فوز الليبرالي المعتدل عمرو الشوبكي ، بعد فوز الليبرالي المعتدل عمرو حمزاوي ، يؤكد من جديد على أن مصر على أبواب وعي سياسي جديد ، وأن الشعب المصري يتشوق بالفعل لديمقراطية حقيقية وجادة ، وهو قادر على الفرز والاختيار ، وأن ادعاءات بعض القوى اليسارية والليبرالية بأن الشعب المصري يخضع لتخويف الإسلاميين بالدعاية الدينية وأن من لم يصوت لهم سيدخل النار ، هو كلام رخيص ، أو كما يقول العامة "قصر ديل" ، لأن الكسالى والمتطرفين عاجزون عن التواصل مع الناس والشارع ، فيسترون عجزهم وعزلتهم عن المجتمع وأسباب إخفاقهم الحقيقي بمثل هذه الادعاءات الحمقاء التي كشف زيفها نجاح اثنين من أهم رموز الليبرالية ، نجحوا باعتدالهم في الوصول إلى كسب مئات الآلاف من أصوات الشعب في اختيار حر ونزيه . [email protected]