حادث إرهابي شهدته العاصمة التركية أنقرة صباح السبت قُتل فيه 86 شخصا، وأصيب 186 حتى الآن. الحادث عبارة عن تفجير مزدوج، ووُصف بأنه الأكثر دموية في تاريخ تركيا المعاصر، واليوم صار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مأزق حقيقي قد تكون تكلفته كبيرة ومؤثرة. أردوغان ليس مهددا كرئيس، فهو مازال أمامه بقية ولاية رئاسية مدتها 5 سنوات، لكن المأزق يتعلق بحزب العدالة والتنمية الحاكم منذ 13 سنة، فقد بات مهددا بالفعل، وهو على مشارف انتخابات تشريعية مبكرة تجري مطلع نوفمبر المقبل "بعد 20 يوما". أردوغان ترك رئاسة الحزب، لكنه مازال قائده الحقيقي، ومصدر قوته وتأثيره وشعبيته وملهمه، والأب الروحي له، وباستمرار بقاء الحزب في السلطة فإن أردوغان يكون رئيسا قويا حيث التنسيق الكامل في السياسات بين رئاسة الجمهورية وبين رئاسة الحكومة، أما خروج الحزب من السلطة يعني أن أردوغان كرئيس سيكون بلا دور ولا نفوذ لأن الدستور التركي يجعل منصب الرئيس رمزيا أكثر منه فاعلا، فسلطة الحكم تكون في أيدي رئيس الحكومة والحزب الحاكم أو ائتلاف الأحزاب الحاكمة، إنما في حالة أن يكون حزب أردوغان في الحكم فلا تسأل هنا عن الصلاحيات والرمزيات وسلطات الرئيس المحدودة دستوريا، حيث يظل أردوغان صاحب اليد الطولى في إدارة الدولة ويتحول رئيس الحزب والحكومة أحمد داوود أوغلو لمجرد معاون له، وهذا حدث بالفعل منذ غادر أردوغان رئاسة الحزب والحكومة ليدخل إلى رئاسة الجمهورية ويحل محله داوود أوغلو أحد أكثر المقربين منه، حيث يبدو أوغلو باهتا وظلا ل أردوغان. لعل القارئ المتحمس ل أردوغان يتفهم معي ما أقوله، ولنستمر معا في الشرح فنقول إن الحادث المدان استهدف تجمعا للسلام في أنقرة دعت إليه المعارضة الموالية للأكراد، وهذه الجريمة البشعة إلى جانب جريمة إرهابية سابقة استهدفت أكرادا أيضا في مدينة "سوروتش" في 20 يوليو الماضي وأسفرت عن سقوط 32 قتيلا تثير غضب الأكراد على أردوغان وحزب العدالة وتباعد بينه وبينهم، بل عندما نضيف تجدد الحرب مع متمردي حزب العمال الكردستاني التركي منذ نحو 3 أشهر، فإن ذلك يضاعف الغضب الكردي ونتيجته المباشرة ستكون في انتخابات نوفمبر، فالأكراد كانوا خزانا بشريا للتصويت لحزب العدالة، لكن هذا الخزان تحول في انتخابات 7 يونيو الماضي إلى حزب "الشعوب الديمقراطي" بزعامة شخصية كردية شابة هو صلاح دمرتاش أو دمرداش وكانت النتيجة تحقيق الحزب الوليد نتائج مذهلة وتجاوز حاجز ال 10% ودخوله البرلمان بنحو 80 مقعدا، وتلك المقاعد هى خصم من حصة حزب أردوغان خلال الدورات الانتخابية الثلاث السابقة، وكان ذلك من أسباب فقدان حزب العدالة الأغلبية المطلقة التي ظل محافظا عليها طوال 13 عاما ومشكلا الحكومة بمفرده، وبدت متاعب العدالة بعد نتائج 7 يونيو، حاز الأغلبية، لكنها لا تمكنه من تشكيل الحكومة منفردا، وحاول تشكيل ائتلاف مع حزب آخر، لكنه فشل، ولذلك دعا أردوغان للانتخابات المبكرة. خطورة الجريمة الإرهابية الأخيرة أنها قد تحرم حزب العدالة من أصوات كتلة الأكراد كاملة، وهم انتهزوا الفرصة وخرجوا في مظاهرات احتجاج في تركيا وفي البلدان الأوروبية التي يتواجدون فيها، ليس للتنديد فقط، بل يتهمون أردوغان مباشرة بأنه قاتل ومحملين الحكومة المسؤولية وقائلين فلتسقط الحرب القذرة وإرهاب الدولة!. جماعة فتح الله جولن التي يسميها أردوغان الكيان الموازي للدولة ويدخل الطرفان في مواجهة تكسير عظيم منذ سنوات كان لها دور أيضا في إفقاد حزب العدالة أغلبيته المطلقة فهى كانت خزانا آخر للحزب، علاوة طبعا على المعارضة العلمانية والقومية واليسارية التي تناوئ أردوغان العداء السياسي وتسعى لكسر طموحاته ورغباته في التعديل الدستوري لتحويل نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي وهدفها إسقاط حزبه أو تجريده من أغلبيته ونقله للمعارضة، ومجمل التطورات التي تشهدها تركيا وتطورات الحرب في سوريا تعقد حسابات أردوغان وحزب العدالة وتجعل الدور الخارجي في اللعب داخل تركيا غير مستبعد. هل يستفيد أردوغان من عمليات الإرهاب، ومن الحرب مع المتمردين للأكراد ليُظهر أن تركيا في خطر وهذا يتطلب التفافا شعبيا وراء العدالة لاستعادة أغلبيته المطلقة لتشكيل الحكومة دون معوقات الأحزاب الأخرى وأن البلاد في حاجة ماسة لقيادة حاسمة وموحدة وقوية في هذه الفترة الخطيرة؟. اتصور أن الحسابات والأوراق اختلطت بعد الجريمة الإرهابية في أنقرة، فهي تعطي انطباعا للأتراك بضعف السلطة، وعدم قدرتها على حماية أرواح مواطنيها خصوصا مع توالي إرهاب حزب العمال ضد رجال الشرطة والجيش وتوالي سقوط ضحايا وحمل النعوش للقرى والمدن التركية. المهمة صارت صعبة وثقيلة على الثنائي أردوغان - داوود أوغلو. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.