رسميًا.. فتح تقليل الاغتراب 2024 لطلاب المرحلة الثالثة والدبلومات الفنية (رابط مفعل الآن)    عيار 21 يعود للارتفاعات القياسية.. أسعار الذهب تقفز 280 جنيها اليوم الجمعة بالصاغة    سعر الدولار أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية اليوم الجمعة 20 سبتمبر 2024    رسميًا.. إعادة تشكيل مجلسي إدارة بنكي الأهلي ومصر لمدة 3 سنوات    أسعار الفاكهة اليوم الجمعة 20-9-2024 في قنا    بايدن: الحل الدبلوماسي للتصعيد بين إسرائيل وحزب الله "ممكن"    فلسطين.. ارتفاع عدد الشهداء إلى 7 جراء القصف الإسرائيلي لمنزل وسط مدينة غزة    عاجل| إسرائيل تواصل الضربات لتفكيك البنية التحتية والقدرات العسكرية ل حزب الله    الصومال:ضبط أسلحة وذخائر في عملية أمنية في مقديشو    مصطفى عسل يتأهل لنصف نهائي بطولة باريس للاسكواش    هل يتم تشفير الدوري؟ رد حاسم من رابطة الأندية    خزينة الأهلي تنتعش بأكثر من 3 ملايين دولار (تفاصيل)    مصرع شاب دهسته سيارة مسرعة أمام مرور حلوان    حالة الطقس اليوم الجمعة 20-9-2024 في محافظة قنا    بعد فيديو خالد تاج الدين.. عمرو مصطفى: مسامح الكل وهبدأ صفحة جديدة    عبد الباسط حمودة عن بداياته: «عبد المطلب» اشترالي هدوم.. و«عدوية» جرّأني على الغناء    «ابنك متقبل إنك ترقصي؟» ..دينا ترد بإجابة مفاجئة على معجبيها (فيديو)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 20-9-2024    رئيس الوزراء يصدر قرارًا بإعادة تشكيل مجلس إدارة بنك مصر    الأوقاف تعلن خريطة افتتاح المساجد الجديدة اليوم الجمعة    نقيب الأشراف يكرم عددًا من الشخصيات خلال احتفالية المولد النبوي الشريف    مصدر من كاف يكشف ل في الجول إمكانية تأجيل مجموعات دوري الأبطال والكونفدرالية    فلسطين تعلن قبول اعتذار الكويت ونقل مباراتهما إلى قطر    اتحاد الكرة: نفاضل بين الأجنبى والمصرى للجنة الحكام وشيتوس مستمر مع الشباب    الخسارة الأولى.. برشلونة يسقط أمام موناكو في دوري أبطال أوروبا    الإسماعيلي يعلن تشكيل لجنة فنية لاختيار المدرب الجديد    محافظ القليوبية: لا يوجد طريق واحد يربط المحافظة داخليا    أخبار × 24 ساعة.. رئيس الوزراء: لن نعود لقطع الكهرباء مرة أخرى    الأمن يوضح حقيقة فيديو سحب شرطي لتراخيص سيارة بدون وجه حق بالقليوبية    النيابة تصرح بدفن جثة ربة منزل سقطت من الطابق السابع في شبرا الخيمة    ضبط 5000 زجاجه عصائر ومياه غازية مقلدة بمصنع غير مرخص وتحرير 57 مخالفة تموين بالإسماعيلية    المؤبد لعامل لاتجاره في المواد المخدرة واستعمال القوة ضد موظف عام في القليوبية    تطورات أحوال الطقس في مصر.. أتربة عالقة نهارا    وزير الخارجية يواصل عقد لقاءات مع أعضاء الكونجرس    حسن نصر الله: "تعرضنا لضربة قاسية وغير مسبوقة".. ويهدد إسرائيل ب "حساب عسير" (التفاصيل الكاملة)    التفجير بواسطة رسائل إلكترونية.. تحقيقات أولية: أجهزة الاتصالات فُخخت خارج لبنان    رئيس مهرجان الغردقة يكشف تطورات حالة الموسيقار أحمد الجبالى الصحية    يا قمر، عمرو دياب يتألق بحفل الأهرامات وسط حضور كامل العدد (فيديو)    أول تعليق من أمير شاهين على فرح نجل شقيقه المثير للجدل| خاص بالفيديو    حدث بالفن| هشام ماجد يدعم طفلا مصابا بمرض نادر وأحدث ظهور ل محمد منير وشيرين    رمزي لينر ب"كاستنج": الفنان القادر على الارتجال هيعرف يطلع أساسيات الاسكريبت    بارنييه ينتهي من تشكيل الحكومة الفرنسية الجديدة    نقيب الأشراف: قراءة سيرة النبي وتطبيقها عمليا أصبح ضرورة في ظل ما نعيشه    حكاية بسكوت الحمص والدوم والأبحاث الجديدة لمواجهة أمراض الأطفال.. فيديو    وكيل صحة قنا يوجه بتوفير كل أوجه الدعم لمرضى الغسيل الكلوي في المستشفى العام    فيلم تسجيلي عن الدور الوطني لنقابة الأشراف خلال احتفالية المولد النبوي    البلشي: إطلاق موقع إلكتروني للمؤتمر العام السادس لنقابة الصحفيين    رئيس جامعة القناة يتفقد تجهيزات الكلية المصرية الصينية للعام الدراسي الجديد (صور)    أمين الفتوى: سرقة الكهرباء حرام شرعا وخيانة للأمانة    التحالف الوطني للعمل الأهلي يوقع مع 3 وزارات لإدارة مراكز تنمية الأسرة والطفولة    مرصد الأزهر يحذر من ظاهرة «التغني بالقرآن»: موجة مسيئة    مدبولي: الدولة شهدت انفراجة ليست بالقليلة في نوعيات كثيرة من الأدوية    الداخلية تضبط قضيتي غسيل أموال بقيمة 83 مليون جنيه    بينها التمريض.. الحد الأدنى للقبول بالكليات والمعاهد لشهادة معاهد 2024    التغذية السليمة: أساس الصحة والعافية    فحص 794 مريضًا ضمن قافلة "بداية" بحي الكرامة بالعريش    من هن مرضعات النبي صلى الله عليه وسلم وإِخوته في الرَّضاع وحواضنه؟ الأزهر للفتوى يجيب    وزير التعليم العالي: لدينا 100 جامعة في مصر بفضل الدعم غير المحدود من القيادة السياسية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اللواء جمال حماد ... ثائراً ومؤرخاً وأديباً
نشر في المصريون يوم 08 - 10 - 2015

اللواء أركان الحرب "محمود جمال الدين إبراهيم محمد حماد" من كبار أعلام العسكرية المصرية الشوامخ.. الذي لا يكف عن العطاء منذ تخرج من الكلية الحربية سنة 1939 وحتى خروجه للتقاعد فى منتصف الستينيات .. كان من صنّاع ثورة يوليو 1952، وكتب بيانها الشهير وكان شاهداً عياناً على أحداثها والأحداث التى وقعت فى مصر بعد ذلك إلى اليوم، وترجم مشاهداته إلى كتب تاريخية رائعة استفاد منها المتخصص والمثقف والرجل العادى بما يملكه من لغة بسيطة تبتعد عن التعقيد وحجة قوية وصدق مع النفس وهذه الكتب أرخت لثورة يوليو وحرب الاستنزاف وحرب أكتوبر العظيمة حيث يحتل كتابه "المعارك الحربية على الجبهة المصرية" صدارة المؤلفات التى كتبت عن هذه الحرب العظيمة التى يكشف عن أسرارها كل يوم، كما كان الرجل أديباً ذائع الصيت فى الشعر والرواية، ودار بينه وبين عدد من كتاب الناصرية معارك فكرية حول ما أورده فى كتبه وحواراته، ومنها شهادته المطولة على العصر فى قناة الجزيرة التى أحدثت ضجة هاجمها البعض وتعرضوا لشخصه الكريم دون تقديم البديل اللهم إلا الأكاذيب المتوارثة فى أدبياتهم وأفكارهم وشعاراتهم التى سبب لنا الهزائم والمظالم ويخرج الرجل من كل معاركه فارساً منتصراً يجتذب محبة قارئيه ومريديه..نتذكره فى السطور التالية عرفاناً له على حياته العسكرية والفكرية..
ولد جمال حماد فى مدينة القاهرة فى 10 مايو سنة 1921 لأب يدعى الشيخ إبراهيم محمد حماد من أصول ريفية من قرية صغيرة اسمها "شبرا ريس"، مركز شبراخيت محافظة البحيرة، جاء هذا الوالد إلى القاهرة ليتعلم فى الأزهر ويتخرج منه ويعمل مدرسا للغة العربية، ويتعلم منه الطفل جمال علوم العربية ويغرم بها وبالشعر على وجه الخصوص، ورزق البيان وسحره وامتلاكه لناصية اللغة ويولع بقراءة الشعر والتاريخ فى مكتبة أبيه العامرة ومازال جمال حماد يرتبط بأبيه روحيا ومعنويا حتى رحل الأب عام 1958 ...

بعد حصول جمال حماد على البكالوريا يلتحق بالكلية الحربية ليتخرج منها عام 1939 ويتخرج معه فى نفس دفعته: المشير عبدالحكيم عامر، وصلاح سالم، وصلاح نصر النجومى مدير المخابرات العامة الأسبق .. خدم بالوحدات والتشكيلات واكتسب خبرات جمة وكان عنده الفضول والإصرار ليتعلم الكثير والكثير فى العلوم العسكرية والمدنية، وذاع ذيته قبيل ثورة يوليو بما كان ينشره من مقالات ودراسات عسكرية وتاريخية ومن إبداع شعرى، وكان نزّاعاً إلى التعليم فليلتحق بكلية أركان الحرب ليحصل ماجستير علوم عسكرية من هذه الكلية عام 1950، ثم حصل على بعثة قادة الألوية من كلية أركان حرب بالاتحاد السوفيتي عام 1959...
دوره فى ثورة 23يوليو 1952:
تولى جمال حماد أركان حرب سلاح المشاة (قبل قيام ثورة يوليو) وكان برتبة صاغ (رائد)، وكان اللواء محمد نجيب مديراً لإدارة المشاة، وتعرف عليه عن قرب وازداد به وثوقا، وينضم فى هذه الفترة لتنظيم الضباط الأحرار عن طريق صديقه الصاغ أ.ح عبدالحكيم عامر، ويشترك فى الفاعليات الأولى لثورة 23يوليو 1952، ويكتب بنفسه البيان الذى ألقاه البكباشى أنور السادات صباح يوم 23يوليو من مقر هيئة الإذاعة، ويتصل حماد بعد ذلك باللواء محمد نجيب الذى حضر بسيارته الخاصة إلى مبنى رئاسة الجيش بعد أن تم الاستيلاء عليه بمقدمة الكتيبة الأولى مشاه التى يقودها البكباشى يوسف صديق والذى لولاه لفشلت الثورة وذلك لأن الملك فاروق الذى كان يحتفل بتشكيل وزارة الهلالى فى قصر رأس التين بالإسكندرية، علم بالأمر وكلف الفريق حيدر باشا بالقضاء على هذه الحركة الذى كلف بدوره الفريق حسين فريد رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الذى اجتمع بكبار قيادات الجيش لمناقشة، وبينما هو جالس فى مكتبه تصل قوات يوسف صديق ويتم القبض عليه وهو مجتمع بهم، ونجحت الثورة وغادر الملك يوم 26يوليو 1952 بعد أن وقع على التنازل عن العرش لابنه الرضيع أحمد فؤاد الثانى ويتولى جمال حماد مدير مكتب القائد العام محمد نجيب، ووتطور الأحداث وتحث خلافات اخل مجلس قيادة الثورة الذى كان رجاله من أنصار جمال عبدالنصر، وتحدث أحداث فبراير ومارس 1954، ويقدم نجيب استقالته ويرجع تحت ضغط الإرادة الشعبية، ولكنه لكن بلا سلطات لأن السلطات التى كانت بيده انتزعت منه فتولى قيادة الجيش الصاغ عبدالحكيم عامر الذى تم ترقيته أربعة ترقيات دفعة واحدة إلى رتبة اللواء، وتولى عبالناصر منصب رئيسس الوزراء واصبح نجيب رئيسا بلا صلاحيات إلى أن تم القبض عليه و تحديد إقامته فى فيلا زينب الوكيل حرم النحاس باشا.
وبعد أن أطاح جمال عبدالناصر بمحمد نجيب بعد سلسلة من المؤامرات عليه لأنه كان يدفع بعودة الجيش لثكناته والتفرغ لواجبه المقدس فى حماية البلاد والعباد وترك السياسة للمدنيين ..وكان جمال عبدالناصر لديه شبق ونزعة فى الحكم والسيطرة على البلاد فعمل على إبعاد كل من له تأثير فى الجيش والمدنية بما كان يملكه من قدرة فى مجلس قيادة الثورة حيث كان أعضاء المجلس يؤيدون جمال عبدالناصر على طول الخط لأنه جاء بهم فآزروه وعضدوه والعجيب أن يتخلص منهم الواحد تلو الآخر بعد ذلك وكان آخرهم صديقه عبدالحكيم عامر بعد نكبة 5يونيو 1967 .
وبعد التخلص من محمد نجيب وإعفاءه من مناصبه فى نوفمبر 1954 تم التخلص من أنصاره فى سلاح المدفعية والفرسان وكذلك التخلص من جمال حماد الذى كان يؤيد اتجاهع نجيب فأبعد عن الساحة ملحقاً العسكري بالدول العربية (سوريا، لبنان، الأردن، العراق).ثم مديراً للقيادة المصرية السورية المشتركة في دمشق، ثم يعود إلى الكلية الحربية مرة كبيراً للمعلمين بعدها عين قائداً للواء 18 المشاة وقائد منطقة العريش العسكرية ثم
رئيساً لهيئة الاتصال بقوات الأمم المتحدة (سيناء وقطاع غزة)، ثم قائداً لمعهد المشاة، ثم رئيسا لهيئة الخبراء باليمن، ثم يحال للتقاعد رتبة اللواء ويعين محافظاً كفر الشيخ، ثم محافظاً للمنوفية.
جمال حماد مؤرخاً:
كان اللواء جمال حماد ملماً بتاريخ مصر والعرب والإسلام فى كل عصوره، وكان موسوعياً فى هذا الأمر إلى أبعد حد، ولم يكن يصبغ الأحداث بلون فكرى كما فعل غيره الذين يتعصبون لمذاهبهم وألوانهم السياسية .. كان يبغى الحقيقية التاريخية وحدها، ظهر هذا جلياً فى كل مؤلفاته سواء التى تعرضت لثورة يوليو التى كان أحد صناعها أو التى تعرضت للأحداث التى وقعت عقب الثورة مثل حرب 1956، وحرب اليمن، ونكسة 5 يونيو 1967، وحرب الاستنزاف، وصولاً إلى حرب أكتوبر 1973م وأدلى بدلوه فى كل هذه الأحداث بمؤلفات ضخمة شهدت على طول أنفاسه وتمحيصه للأحداث وامتلاكه لمؤهلات المؤرخ من وثيقة، ونزاهة، وموضوعية، وتأهيل نفسى، ودقة فى استعراض الحدث، وتمحيص الروايات، وقد ألف العديد من الكتب والمقالات والردود حول ثورة يوليو التى تحولت إلى انقلاب على يد جمال عبدالناصر 1954، ومنها كتابه "23يولية 1952 أطول يوم فى تاريخ مصر" الذى صدر عن كتاب الهلال، ثم كتابه "الحكومة الخفية فى عهد عبالناصر" يتعرض فيه لسلبيات ثورة يوليو وإخفاقاتها ثم كتابه الأهم "أسرار ثورة 23 يوليو" الذى صدر عن "دار العلوم للنشر والتوزيع"، يعيد حماد قراءة التاريخ، محللاً جميع الوثائق المتاحة عن الثورة، بل عن الفترة التمهيدية لها، ويتناول الكتاب الذى يتكون من جزءين، ويأتى فى 1550 صفحة من القطع الكبير، مزودا بصور أرشيفية ووثائق نادرة ، وفيه يتجاوز المؤلف وجهات النظر المختلفة التى تناولت ثورة يوليو، سواء التى مدحت الثورة وانحازت لها، أو التى هاجمتها وكالت لها ولرجالها الاتهامات، ليقف على الحياد تماما من الأحداث التاريخية، بصفته شاهد عيان، شارك فى الأحداث وكان قريب الصلة جدا من الرجلين الكبيرين فى الثورة، جمال عبدالناصر وعبدالحكيم عامر، بالإضافة إلى علاقته باللواء محمد نجيب، ورغم مشاركة المؤلف فى الثورة، فإنه ترفع عن مغانمها، وقرر الاستمرار فى الخدمة العسكرية، ولم يسع لمنصب سياسى أو مدنى مثل المناصب التى حظى بها معظم الضباط المشاركين فى الثورة، كما أنه فى كتابته لتاريخ الثورة، يدرك تماما دور الأهواء والعواطف الشخصية التى تتلبس المعاصرين لحدث ما، عندما يتناولون هذا الحدث بالكتابة، وبالتالى ينأى عن تحكيم العاطفة.
وفى مقدمة الكتاب يوضح الدكتور محمد الجوادى القيمة التاريخية التى يمثلها هذا المرجع الضخم عن ثورة يوليو، مؤكداً أن المؤرخ جمال حماد، تخلص من جميع المؤثرات الخارجية المحيطة بأجواء الثورة، وكتب الأحداث وحلل الوقائع بشكل محايد تماماً، مفندا ما وصفه الجوادى ب"الأكاذيب الرهيبة التى لم يكف محمد حسنين هيكل عن اختراعها وتكبيرها وتقديمها محاطة بكل المقبلات والمشهيات، للذين يستهويهم الزيف المنمق". يبدأ الكتاب بعرض مفصل لطبيعة العمل السرى فى الجيش المصرى خلال فترة الأربعينيات ضد الاحتلال البريطانى، ثم يتعرض لحادث 4 فبراير 1942، ثم يتعرض لكيفية إنشاء تنظيم الضباط الأحرار، ويورد ما نشر فى هذا الصدد من معلومات تفيد بأن السادات هو مؤسس هذا التنظيم على عكس الحقيقة المعروفة وهى أن عبدالناصر هو مؤسس وزعيم التنظيم، بينما أسس السادات تنظيما آخر عام 1939، ربما يكون هو أول تنظيم سرى لضباط فى الجيش، إلا أنه ليس تنظيم الضباط الأحرار.
ويتناول الكتاب قضية الأسلحة الفاسدة، وحريق القاهرة، وعلاقة عبدالناصر بجماعة الإخوان المسلمين وطبيعة اتصالاته بهم عشية الثورة، وكذلك علاقة الثورة باليسار المصرى، وقيامها بتهميشه، رغم وجوده ممثلا فيما بعد فيما عرف بالاتحاد الاشتراكى، ويطرح المؤلف سؤالا «من يقود الثورة فؤاد صادق أم محمد نجيب؟» ويصف بالتفصيل تحركات الوحدات العسكرية ليلة 23 يوليو، ثم عزل الملك فاروق ورحيله عن البلاد، وتشكيل مجلس قيادة الثورة وسيطرته على جميع السلطات فى مصر بعد إلغاء الدستور وحل الأحزاب وإعلان الجمهورية. ويختم المؤلف الجزء الأول بعرض دقيق ومفصل لقضية ضباط المدفعية، عارضا لائحة الاتهام وأسماء المتهمين وطريقة اعتقالهم، واصفا تلك القضية بأنها الأشهر فى تاريخ الثورة.
أما الجزء الثانى الذى يتضمن كما كبيرا من الوثائق والصور النادرة لمجلس قيادة الثورة، وللمؤلف نفسه، ولعدد كبير من القيادات العسكرية، فيتناول قضية الاتحاد بين مصر والسودان، وجلاء القوات البريطانية عن مصر، ثم يتطرق لأخطر النقاط فى الثورة، وهى تفجر الصراع على السلطة بين محمد نجيب وجمال عبدالناصر، وفى نهاية هذا الجزء يوجد فصل كامل تحت عنوان «محمد حسنين هيكل وثورة يوليو.. هل كان هو صانع الثورة؟» يفند فيه المؤرخ بحسب ما ذكر ما أورده الكاتب محمد حسنين هيكل من مغالطات عن ثورة يوليو فى كتابه «سقوط نظام» وتحديدا فى الفصل المعنون «5 ليال طوال»، مستقصيا حقيقة ما ذكره هيكل عن لقائه عبدالناصر فى فلسطين عام 1948، وطبيعة علاقته بقيادات الثورة الآخرين، وأسباب تزييفه لأحداث 18 و19 يوليو ضمن سرده لأحداث الأيام الخمسة السابقة على الثورة.
كذلك أرخ لحرب أكتوبر1973 فى كتابين له، الأول بعنوان "من سيناء إلى الجولان" وكان قد نشره منجماً على حلقات فى مجلة "أكتوبر" المصرية تحدث فيه على نكسة 5 يونيو1967 وإعادة بناء وتشكيل القوات المسلحة، ومرحلة الصمود، وحرب الاستنزاف التى كان الأثر الايجابى فى رفع الروح المعنوية للجنود، والتدريب على العبور، واقتحام النقط الحصينة لخط "بارليف"، واستطلاع قوات العدو وخططه وتدريباته وعدد قواته وطرق دفاعاته، وبدات الحرب بعبور قناة السويس بسرية مشاه وانتهت بعبور كتيبة مدعمة، وقد دار بينه وبين الدكتور عبدالعظيم محمد رمضان المؤرخ المعروف، معركة فكرية بعد أن نشر عبدالعظيم رمضان حلقات كتابه "تحطيم الألهة" عن حرب الاستنزاف، وهو الذى لم يمسك سلاحاً أو استطاع التعرف على سلاح أو مارس القتال فى معركة حربية، فكيف يعن له الحكم على معارك حرب الاستنزاف التى تحتاج إلى رؤية خبير عسكرى على طراز فريد درس التكتيك والأسلحة وحصل على كل الفرق المتقدمة فى القوات المسلحة مثل اللواء جمال حماد؟؟
كما أرّخ جمال حمال لحرب أكتوبر فى كتابه الحجة "المعارك الحربية على الجبهة المصرية" الذى طبع عن دار "الزهراء للإعلام العربى" وأعادت دار الشروق طبعته فى طبعة أنيقة، استعرض فيه مقدمات حرب أكتوبر 1973، وكيف جرى التخطيط لها، ثم يتحدث بعد عن العبور العظيم لأكبر مانع مائى فى التاريخ وهو قناة السويس، بواسطة رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه بعد فترات تدريب شاقة استمرت سنوات، أشرف عليها القيادة السياسية والعليا للقوات المسلحة، ثم يتحدث عن وضع القوات المسلحة فى العبور ودور الجيوش والتشكيلات والوحدات التى احرزت نصرا مؤزرا شهد به القاص والدانى، ثم يحلل بمنطق الخبير العسكرى المعارك التى شهدتها الجبهة فى قطاع الجيش الثانى والثالث الميدانيين، ثم يسرد بطولات الأفراد والوحداث والشهداء، ثم يتحدث فى فصل تال عن مرحلة إقامة رؤوس الكبارى وصد الهجمات المضادة الإسرائيلية التى جرت ابتداء من اليوم الثالث للقتال ودور القوات المسلحة الباسلة ورجالها الشوامخ الذين صدوا هذه الهجمات واشهرها مع حدث مع اللواء 190مدرع الاسرائيلى وأسر قائده "عساف ياجورى" بواسطة رجال الفرقة الثانية مشاه التى يقودها العميد أركان حرب حسن أبو سعدة، ثم يتحدث اللواء حماد عن قرار تطوير الهجوم شرقا يوم 14 أكتوبر 1973، لتخفيف الضغط الاسرائيلى عن مدينة دمشق، وآثار هذا القرار سيساسيا وعسكريا واعتراض البعض عليه ، ثم يتحدث عن عبور القوات الاسرائيلية إلى غرب القناة وحدوث الثغرة والمحاولات المصرية لتدمير ثغرة الدفراسوار التى قادها اللواء سعد مأمون ، وكذلك استعرض المعارك الاسرائيلية الرئيسية غرب القناة ومحاولة استيلائهم على مدينة السويس لولا المقاومة الباسلة لشعب المدينة بمساعدة قوات الجيش الثالث والفرقة 19 مشاه بقيادة العميد أركان حرب يوسف عفيفى ..كما تحدث عن محاولات الجنرال إرييل شارون للإستيلاء على مدينة الإسماعيلية لإحراج مصر على المستوى العالمى ولتضييع طعم النصر ولكن محاولاته بأت بالفشل بفضل استبسال المجموع 139 صاعقة التى يقودها العقيد أسامة إبراهيم، فى تلك الأثناء وقع خلاف بين الرئيس السادات والفريق الشاذلى الذى زار قيادة الجيش الثانى لمدة ثلاثة أيام يوم 19أكتوبر واستطلع الأمر بنفسه عن كثب واقتراح سحب ستة الوية من الشرق لتصفية الثغرة الأمر الذى رفضه السادات بشدة وأيده فى ذلك الفريق اول أحمد إسماعيل القائد العام ووزير الحربية، ولم ينس اللواء حماد أن يذكر المعارك الحربية التى دارت رحاها فى قطاع بورسعيد ومنطقة البحر الأحمر العسكرية ودور الصاعقة خلال حرب أكتوبر التى أدت بطولات لا تذكر إلا فى الأساطير ..وهكذا خلد اللواء جمال حماد بطولات العسكرية المصرية ورجالها الذين هم وقود الوطنية المصرية فى أكمل صورتها..
جمال حماد أديباً:
اشتهر اللواء جمال حماد بدوره فى ثورة يوليو وتأريخه لها وللأحداث التى تلتها ومن أشهرها حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر كما أسلفنا إلا أن الرجل غزته ربة الشعر وهو صغير كان يكتب الرائق منه والأصيل، وينشره فى المجلات والصحف، وكتب قبل الثورة "نشيد المشاة"، وصدر له ديوان شعرى "بين قلبى وحسامى" عن الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة 2009، وضم مجموعة من القصائد كتبتها على مدار عمره، وربما لم يكتب الكثير من الشعر لأنه لم يكن لديه الوقت الكافى لذلك، بل كان يخطف بعض الوقت لكتابة قصيدة، وقد التزم فى كتابة أشعار ديوان «بين قلبى وحسامى» بالقالب العمودى وفى هذا يقول: "والدى الشيخ إبراهيم حماد علمنى الشعر العمودى، وأنا حرصت على الالتزام بما علمنى إياه، وأبدأ قصائدى بالغزل سيراً على خطى القدماء، أعلم أن الكثير من الشعراء اليوم يريدون التحرر من القالب الشعرى الموجود منذ الجاهلية، أيام معلقات أمرئ القيس وطرفة بن العبد، ولكنى أرفض نبذ القالب الذى نجح نجاحا عظيما، ومازال يحظى بالتصفيق، وتعلمت من القدماء أن هناك شطرين للشعر وهما الوزن والقافية، وبلاهما لا يكون ما يكتب شعرا، لأن العروض هو موسيقى الشعر". وفى هذا يرفض شعر التفعيلة الذى رفضه العديد من أعلام عصره منهم الكاتب الكبير عباس محمود العقاد والمؤرخ الفنى والشاعر كمال النجمى الذى رفض هذا النمط من الشاعر واطلق على اصحابه لقب "الشعارير".
وأشهر قصائد الديوان قصيدة "من وحى صفاء" التى كتبها فى اليمن عندما ذهب إليها فى سنة 1964 رئيسا لهيئة الخبراء وانفعل بالجو العام وسط الجبال والفيافى وكانت المناسبة عيد الثورة اليمنية فكتب قصيدة "من وحي صفاء" التي تتكون من خمسين بيتاً، وكانت دفقة شعورية صادقة جداً فولدت قصيدة قوية برغم المهام العسكرية التي تحول دون ذلك، وحازت القبول الكبير والشهرة الواسعة لدرجة أن إدارة الشئون المعنوية للقوات المسلحة باليمن، قامت بطبع مئات النسخ منها، ووزعتها الوحدات العسكرية المصرية واليمنية وجميع الإدارات المدنية بصنعاء وبثتها دار الإذاعة اليمنية بصوته عدة مرات، وفى هذا يقول:"والحق يقال إنني كلما قرأت القصيدة اقتحمتني الذكريات القديمة وأسمع صوتي حينها يداعب مسامعي من جديد".
وهناك موقفاً ترجمه شعراً من خلال هذه الديوان وهو مأساة قريبه "مالك"، وكان شاباً وسيماً يتمتع بقوام رياضي ممشوق وطيبة قلب مفرطة، وعلي الرغم من وسامته وثرائه بفضل ميراثه عن أبيه كانت به نقيصة مزعجة للأسرة، وهي ضعفه الشديد أمام النساء، فما يكاد يصادف امرأة جميلة حتي يذوب فيها حباً، وما هي إلا أيام ويخطرنا بأنه قرر الزواج منها مهما كان وضعها العائلي أو مستواها الاجتماعي، وكانت الأسرة تتدخل سريعاً لكبح جماح قلبه المراهق، ومن تلك الحكايات ما حدث مع راقصة اسمها "فتكات" عرفها في ملهي بشارع الهرم وبرغم علمه بضحاياها من أمثاله الذين نهبت أموالهم ثم تركتهم للإفلاس والضياع عشقها، وقد حدث ذلك مع "مالك" فقد تركته وهجرته بقسوة حتي كاد يهلك من عشق الراقصة، والتمسوا له العلاج عند الأطباء فلم يفلح وكانت هناك ساحرة معروفة بفك السحر والأعمال الضارة فذهبوا به إليها، ربما كان الشفاء علي يديها وكانت المفاجأة العجيبة أنه نسي "فتكات" ووقع في غرام الساحرة وأراد الزواج منها، وبرغم حالة الغيظ التي انتباته وانتابت الأسرة من تصرفات مالك إلا أنه ربح قصيدتين الأولي بعنوان "الساحرة" قال في بعض أبياتها:
أتسحرني وتشفيني ومن جرحي تداويني
وبعد البرء ترميني بسهم الحب يكويني
وساعدت حفيدته الدكتورة منال برهان، و(هى كريمة ابنه اللواء محمد برهان الدين حماد وكيل جهاز المخابرات العامة السابق) على حل الأزمة وأدعت بحب مالك لها رغم زواجها لتساعدنا في مخرج من هذا المأزق، والمفاجأة أنها كانت متزوجة ولديها أسرة وأطفال ولكنها تخفي ذلك علي زبائنها، لأن ذلك - كما قالت - أصول الشغل والمهنة، فالرجال يحبون المرأة غير المتزوجة أكثر.والحق يقال ساعدتنا حكاية عزة في شفائه تماماً، فقد أخبرته بزواجها وقصتها فسبب له ذلك وقفة جادة مع النفس، وأقلع عن تلك العادة فكتبت قصيدة مرثية حب تلبية لرغبته قلت في بعض منها:
إن كان سهمك قد أصاب جوانحي فلم العتاب وقسوة اللوام
والقلب لو يشقيه حب ظالم فعلي شهيد الحب ألف سلام
كما تأثر الشاعر جمال حماد بأرباب السيف والقلم من الشعراء امثال: البارودى وحافظ إبراهيم وعبدالحليم المصرى فقد كان نشأته العسكرية اثر فى شعره وأنشد قصائد عمرت بها مناسبات لها ذكرها، وهاهو يختتم بها ديوان "بين قلبي وحسامي" وهي عبارة عن عدة أناشيد لكل منها مناسبة جليلة وجميلة نترك له الكلمات ليحدثنا عنها: هي خمسة أناشيد، أولها نشيد المشاة الذي قمت بتأليفه عندما كنت أشغل منصب أركان حرب سلاح المشاة، وقد وضع ألحانه العقيد عبدالحميد عبدالرحمن، مدير الموسيقات العسكرية بالجيش وقتئذ وكان يذاع من دار الإذاعة المصرية غناء المجموعة تقول بعض أبياته:
شعار المشاة وهبنا الحياة
لنصر البلاد ومجد الوطن
سلوا الدهر عنا فمنذ القدم
حمينا الذمار رفعنا العلم
أما النشيد الثاني فهو "صرخة الأحرار" وقد لحنه الموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب وغنته المطربة الكبيرة نجاة، وكان يبث من الإذاعة المصرية أقول فيه:
يا بلادي أنت ثورة
أشعلت نوراً وناراً
كعبة للعرب حرة
ترفع الحق شعاراً
أما النشيد الثالث فكان بعنوان "يا رفاق المجد" وقد غنته المجموعة بلحن الموسيقار الكبير محمود الشريف، وقد أذاعته دار الإذاعة المصرية لشحذ الهمم عقب هزيمة 1967، ومنه الأبيات التي تقول:
يا رفاق المجد هذا وطني
راسخ الإيمان فوق المحن
أما نشيد الكلية الحربية فقد كان يذاع في عهد الجمهورية العربية المتحدة (مصر وسوريا) وقد حاكيت فيه إيقاع الموسيقي العسكرية التي كانت تعزف مارش الكلية الحربية الذي تم تغييره أخيراً، أقول فيه:
أُسد الحمي هيا بنا
نحو العلا تحت العلم
أما خامس الأناشيد وبه اختتمت ديواني "بين قلبي وحسامي" الذي أصدرته مشكورة الهيئة المصرية العامة للكتاب، اسمه "نشيد اليمن" وكان يذاع في الفترة قبل وحدة اليمن الشمالي والجنوبي من دار الإذاعة في صنعاء، وقد قمت بصياغته عندما كنت أتولي منصب رئيس هيئة الخبراء خلال حرب اليمن، وفيه أقول:
أُسد الحمي هيا بنا
نحو العلا نحمي الوطن
نحمي الديار وبأسنا
شرف ومجد للوطن.
نبضات قلب عاشق:
وقد ولج مجال الرواية وخلف فى هذا روايتين الأولى رواية "غروب وشروق"، وعن ظروف كتابتها يقول: "كتبتها فى اليمن فى شهر رمضان، عندما توقفت الحرب احتراما للشهر الكريم، حيث وجدت نوعا من الفراغ، منحنى الفرصة للكتابة، فكنت أكتب من الفجر إلى موعد الإفطار، ومن بعد الإفطار إلى السحور، وفى الصباح أعطيها للسكرتارية ليجمعوا ما كتبته، وهى تعتبر من أحسن 100 رواية فى القرن العشرين.." وهى تتعرض للأيام الأخيرة قبيل ثورة يوليو عندما البوليس السياسة وتفشى دوره فى الحياة المصرية وطارد المعارضين فى كل مكان، وكتبها بسرد شيق معتمدا على معاصرته لمعظم أحداثها ومعايشته لأحداثها على أرض الواقع ...وقد تحولت الرواية إلى فيلم سينمائى حاز إعجاب المشاهدين ومازال إلى اليوم ...وقد تكررت تجربته مع الرواية فى عمل آخر بعنوان "وثالثهم الشيطان" وأنتجت فى فيلم من بطولة محمود ياسين، وميرفت أمين، وهى رواية سيكولوجية وليست سياسية، لكن "غروب وشروق" طغت عليها .
ومازال الرجل حيا قلبه ينبض بالعطاء والإخلاص إلى مصرنا العزيزة عسى الله أن يخرجها من كبوتها وترجع إلى سابق عهدها ترفرف رايتها بين الأمم ...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.