لحظة قاسية ومؤلمة، وأنت تشاهد طفلك يلفظ أنفاسه الأخيرة بين يديك، يخرج الزبد من فمه، وأنت تصارع الأمواج، لا تملك أن تمنحه طوق نجاة، أو قبلة حياة. لحظة لا يمكن نسيانها، أو مفارقتها، وأنت تهرب من جحيم سفاح قتل نحو نصف المليون من شعبه، وقسوة أوطان ترفض منحك فرصة اللجوء أو الإنقاذ، وأمواج بحر لا ترحم من يصارعها. تفاصيل الألم والدمع يرويها والد الطفل الذي هز العالم ميتا، دون أن تتحرك له شعرة وهو حي يصرخ طالبا النجاة، تحدث"عبدالله" قائلا:"اشتدت الأمواج بالبحر, فتركنا المهرب التركي ولاذ بالفرار , وظللنا نصارع الأمواج وحدنا , وغرق المركب وتمسكت بزوجتي وأولادي, ولكن الأمواج كانت أشد من تمسكي بيهم , فمات ابني الأول فتركته حتي انقذ الاخر , ومات الثاني وبحثت عن زوجتي وجدتها لقت مصرعها , ظللت أصارع الأمواج حتى إنقاذي ". ويكمل "عبد الله" الذي تنحدر أصوله من بلدة عين العرب "كوباني" تفاصيل حياته حتي الرحلة الأخيرة ، حيث كان يعمل في الحلاقة الرجالية في حي ركن الدين بدمشق، خرج من سوريا حاله كحال معظم السوريين باحثاً عن حياة أفضل، حمل معه ابنه الصغير "آلان" ذو السنتين - والذي انتشرت صورته في مواقع التواصل الإجتماعي والصحف العربية والعالمية- وابنه "غالب" ذو الأربع سنوات وأمهم ريحانة، على أمل بأن يحظى بفرصة جديدة لعائلته الصغيرة بعيداً عن الصراع وأهوال ما يحصل. ويتابع في حديثه لراديو "روزنة " , "جئت إلى تركيا واضطررت للعمل في مجال البناء بأجرة 50 ليرة تركية يومياً كي لا أمد يدي أو أستجدي من أحد، وهذا المبلغ لم يكن ليكفينا لذلك كانت أختي تساعدنا بإيجار المنزل"، ويضيف: "أبي وأختي أمنا لي مبلغاً مالياً على أمل الذهاب إلى أوروبا للحصول على حياة أفضل لعائلتي ومنزل يؤوينا أو حتى (كامب) لا فرق، حاولت مرات عديدة على أمل أن نصل إلى اليونان وفي كل المحاولات السابقة كنا نفشل، وقبل فترة وجيزة التقيت بمهربين أحدهما تركي والآخر سوري عرضوا عليّ رحلتهم بتكلفة 4 آلاف يورو لي ولزوجتي، وكانا يريدان أن يأخذا مني ألفي يورو لقاء أطفالي!.. لكني قلت له بأنني لا أملك المزيد". وتابع بعد تنهيدة طويلة: "كنا 12 شخصاً على متن قارب صيد (فايبر) طوله حوالي خمسة أمتار فقط، وبعد مسافة قصيرة بدأت الأمواج تعلو بشكل كبير، قفز المهرب التركي إلى البحر ولاذ بالفرار وتركنا نصارع الأمواج وحدنا، انقلب القارب وتمسكت بولديّ وزوجتي وحاولنا التشبث بالقارب المقلوب لمدة ساعة، كان أطفالي لا يزالون على قيد الحياة، توفي الأول جراء الموج العالي، اضطررت لتركه لأنقذ ابني الثاني"، أجهش عبد الله بالبكاء وتابع: "توفي ابني الثاني وبدأ الزبد يخرج من فمه، تركته لأنقذ امهم، فوجدت زوجتي قد توفيت أيضاً، وبقيت بعدها 3 ساعات في الماء إلى أن وصل خفر السواحل التركي وأنقذني". واختتم حديثه: "أريد أن أوجه كلماتي إلى كل العالم انظروا إلى حال السوريين وترأفوا بهم، ساعدوهم وخففوا حملهم، أتمنى أن يصبح ابني الصغير (آلان) رمزاً للمعاناة التي يمر بها السوريون".