تلتزم الدول بمراسم الاستقبال الرسمية عند استقبال الرؤساء؛ ولاشك أن مستوى الاستقبال أمر مهم يتعلق بمكانة الدولة، لذلك يحرص الرؤساء على عدم التهاون فيه، أو القبول بأقل مما يتبع مع غيرهم من رؤساء الدول الأخرى الزائرين لنفس الدولة. وفي حين استقبل الرئيس عبدالفتاح السيسي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مطار القاهرة في 10فبراير2015، لم يقم الأخير باستقباله لدى وصوله إلى روسيا أمس، فقد استقبله ميخائيل بوجدانوف نائب وزير الخارجية الروسي وهو المسئول أول عن ملفات الشرق الأوسط وسياسي محنك يملك خبرة طويلة في العمل الدبلوماسي بمنطقة الشرق الأوسط. وفي أغسطس 2012، عاود الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تعيين نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوجدانوف في منصب المندوب الخاص للرئيس الروسي في الشرق الأوسط. وكان بوجدانوف يمتلك خبرة طويلة في العمل الدبلوماسي في دول الشرق الأوسط منذ أيام الاتحاد السوفييتي السابق، وكان الرئيس الروسي السابق ديمتري مدفيديف قد عيّنه أيضًا مبعوثًا خاصًا له في الشرق الأوسط في 23 يناير من العام 2012، إلا أن التقارير أغفلت الخوض في تفاصيل مهمة تتعلق ببوجدانوف، وهي تفاصيل ومؤشرات تساعد في تشكيل تصور مهم للمشهد السياسي الراهن. ولد بوجدانوف في العام 1952 وتخرّج من معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، التابع لوزارة الخارجية للاتحاد السوفييتي السابق أواسط السبعينات، ثم التحق بالسلك الدبلوماسي ليشغل عدة مناصب في الجهاز المركزي لوزارة الخارجية، ففي عام تخرجه انتقل إلى اليمن الجنوبيّ وعمل ضمن طاقم السفارة هناك حتَّى العام 1977، ثمَّ تمَّ نقله ليعمل ضمن طاقم السفارة السوفيتيَّة في لبنان في سنوات حساسة "1977-1980" ليعود بعدها إلى مركز الوزارة في موسكو. تمَّ إرساله في العام 1983 إلى سوريا دبلوماسيّاً عاملاً في السفارة السوفييتيَة بدمشق، ولكن سفيرًا لروسيا الاتحاديَّة في إسرائيل هذه المرة، لتستمر خدمته فيها حتَّى العام 2002، وجاءت سفارته إلى تل أبيب في ذروة استجداء روسيا يلتسن لإسرائيل، باعتبارها ذات نفوذ على الولايات المتّحدة والغرب. وعاد بوجدانوف من تل أبيب إلى موسكو وبقي ثلاث سنوات حتى العام 2005 مشرفاً على دائرة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا وحده، لينتقل بعدها إلى القاهرة سفيراً لروسيا في مصر مبارك، وممثِّلاً مفوَّضاً لروسيا الاتحاديَّة لدى جامعة الدول العربيَّة، ليقضي هناك فترته الطويلة الثالثة، التي استمرَّت حتَّى العام 2011، حين انتقل إلى موسكو ليصبح مساعدًا لوزير الخارجيَّة مختصًّا بالعلاقات مع بلدان الشرق الأدنى وشمال أفريقيا. ثم أعلنت الدائرة الصحافية للرئاسة الروسية في الخامس عشر من يونيو 2011، عن تعيين ميخائيل بوجدانوف نائبًا لوزير الخارجية الروسي، وفي مطلع نوفمبر 2014 وقّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرسوما يقضي بتعيين ميخائيل بوجدانوف نائب وزير الخارجية مبعوثا خاصا لرئيس روسيا الاتحادية إلى الشرق الأوسط ودول أفريقيا. وفي نوفمبر 2013، أي في إطار التحضير لمؤتمر جنيف2، عقد بوجدانوف اجتماعًا مع رفعت الأسد، وفي إطار الإعداد الحالي لمؤتمر موسكو أيضًا اجتمع ثانية معه. بوجدانوف الذي بات أحد أضلاع مثلث السياسية الخارجية بعد الرئيس بوتين والوزير لافروف، يؤمن بضرورة عودة روسيا إلى الساحة الدولية. أهداف روسيا في المنطقة قبيل اندلاع الأحداث في سوريا يجب أن تختلف عن أهدافها بعد الأزمة، وأنه يجب على روسيا ألا ترضى بفتات العقود النفطية وعقود إعادة الإعمار، بل يعتقد أن على روسيا تقاسم النفوذ السياسي والاقتصادي مع الولاياتالمتحدة الأميركية في المنطقة، ولذلك يسعى إلى هذا الهدف قبيل انتهاء ولاية الرئيس الأميركي الديمقراطي تحسباً لوصول الجمهوريين إلى البيت الأبيض الذين سيحملون معهم التصعيد العسكري إذا ما تم إعادة ترتيب أوراق المنطقة مع الإدارة الحالية.