نقلت الزميلة المصري اليوم تصريحات منسوبة إلى وزير الخارجية القطري خالد العطية أبدى فيها استعداد بلاده للقيام بدور الوسيط بين النظام المصرى بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى ، وجماعة الإخوان ، مؤكدا أن علاقة قطر بالقاهرة طبيعية على عكس ما يروجه الإعلام المصرى ، وأن الدوحة تقف دائما بجانب الشعوب العربية. وحسب ما نقلته الصحيفة ، أكد «العطية»، فى حوار مع قناة «التليفزيون العربى»، أن العلاقة مع مصر طبيعية، لكن هناك اختلافاً فى وجهات النظر، بسبب وجود خلاف سياسى مع نظام السيسى، بسبب ما وصفه ب«إقصاء عنصر سياسى فى البلاد»، معتبراً أن ذلك يقف حائلا دون سير مصر على الطريق الصحيح نحو التقدم. وأعرب عن أمله أن يكون الحوار شاملا فى مصر ولا يستثنى أى طرف، مؤكداً أن بلاده على تواصل دائم مع جميع الأطراف، ومستعدة دائماً للقيام بجهود وساطة إذا طُلب منها ذلك، لكنها لا تستطيع التدخل فى الشؤون الداخلية ، وأضاف الوزير القطري : «قطر ستكون مستعدة دائماً لمساعدة الأشقاء العرب، إذا كان ذلك سيساعد فى تقريب وجهات النظر، وليس لدينا مبادرة فى مصر، لكن لو طُلب من قطر أن تكون وسيطاً فى كل ما من شأنه أن يكون فيه خير للأمة سنقوم به». وعن علاقة قطر بجماعة الإخوان فى مصر، قال «العطية» إن قطر على علاقة مع جميع الأطراف التى لديها رؤية وطنية. وأضاف: «لا نستطيع أن نقاطع جماعة الإخوان، ولم نعتبرها يوماً جماعة إرهابية، ولا نشجع على اعتبارها كذلك». وعن استضافة قطر قادة الإخوان الهاربين، قال: «نحن هنا فى قطر نعترف بالجماعة وندعمهم بصفتهم جماعة لها تاريخ، ونرفض توصيفهم بوصف إرهابية». اهتمام الدول العربية ، وخاصة دول الخليج ، بالشأن المصري ليس بدعا من الأمر ، فمصر ليست كأي بلد عربي آخر ، والجميع ينظرون إليها كأخ أكبر وأحد أعمدة الخيمة التي يقوم عليها النظام العربي كله ، وبالتالي ما يحدث فيها يهم الجميع ويقلق الجميع ، أيا كانت الحسابات ، وهمومها ومشكلاتها تنعكس بصورة أو أخرى على عواصم كثيرة ، وغياب الاستقرار فيها لا سمح الله سيدفع ثمنه الجميع ، وليس مصر وحدها . لكني رغم ذلك لا أعرف سبب بروز تلك التصريحات الآن ، خاصة من ديبلوماسي خليجي كبير ، فهو ليس مجرد وجهة نظر يقدمها صحفي أو ناشط سياسي ، وإنما كلام منسوب إلى رجل دولة ، ولها علاقات بأطراف الأزمة في مصر ، فهل هذه إشارة ضمنية إلى وجود جهود غير معلنة للمصالحة في مصر ، حتى لو كانت في خطواتها الأولية ، أم أنها جس نبض ، أم إجابة اضطرارية على سؤال فاجأ الوزير ، الله أعلم ، لكن المؤكد أن قطر ، كجزء من مجلس التعاون الخليجي وثيق الصلة بنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي ، وهي الكتلة التي تمثل الحليف الأهم للسيسي في العالم حتى هذه اللحظة ، قطر كجزء من تلك الكتلة تعرف الأجواء جيدا التي تدور في الكواليس وفي الحوارات غير المعلنة بين القيادات الخليجية في تقييمها للشأن المصري ، والمؤكد أن هناك قناعة بأن الوضع الحالي ليس وضعا طبيعيا ، ولا يساعد على استقرار مصر وهو مطلب مهم جدا للمنطقة وللعالم ، وأن أحاديث مشابهة تتردد عن ضرورة وجود تسوية سياسية تمنع انزلاق الأمور في مصر إلى ما هو أسوأ ، وفي تقديري أن الوزير القطري ما كان ليطرح هذه الرؤية إلا إذا كان مدركا أن لها صدى في عواصم مجلس التعاون الخليجي المتحالفة مع السيسي . الإخوان تحفظوا على الفكرة التي طرحها العطية ، والحكومة المصرية لم تعقب رسميا حتى الآن ، كما أن "القبول المعنوي" بدور قطري في تسوية سياسية لقضية داخلية مصرية ربما كان صعبا ، رغم حرص العطية على التأكيد بعدم تدخل بلاده في شؤون مصر الداخلية ، ورغم حرص قطر على المشاركة رسميا في احتفالات القناة الجديدة ، وعموما التصريحات العلنية لردود الأفعال في مثل هذه القضايا لن تكون دقيقة بطبيعة الحال ، لحساسية الأمور ، وغالبا ما تطلق تصريحات صاخبة وعنيفة غير تلك التي تدور في الأجواء الأخرى أو في الكواليس ، غير أن فكرة المصالحة السياسية في مصر لا يمكن أن تتحقق من الناحية العملية والواقعية إلا إذا أدرك طرفا الأزمة بعد الجهد والإنهاك أن استمرارها غير ممكن ، وأن أيا من الطرفين لن يتمكن من تحقيق أهدافه بدون حوار سياسي ، وأن أيا من الطرفين لن ينهي اللعبة بالضربة القاضية ولا حتى بنزيف النقاط ، وأن أيا من الطرفين لن يسحق الآخر أو يجبره على الاستسلام في النهاية مهما استنفد من أدوات وآليات المواجهة ، فهل وصلت المعادلة في مصر إلى هذا الحد ، لا أستطيع أن أؤكد أو أنفي ، وما زالت مؤشرات الواقع تعطي انطباعا بإصرار الطرفين على المواجهة ، ولكن الأمر المؤكد في ذلك أن مصر ستقترب خطوات من المصالحة كلما شعر الطرفان بأن استمرار الوضع بهذه الصورة هو خسارة للجميع ، وأن لعبة عض الأصابع ، ومن يتوجع أولا ، لن تكون صالحة في هذا الظرف ، لأن مسارها سيطول ، والوطن سيدفع نتيجتها ثمنا باهظا ، والمستقبل سيكون مفتوحا على مخاطرة غير مضمونة العواقب للجميع ، وللوطن نفسه .