فى الساحتين السياسية والإعلامية مصطلحات تتردد كثيرًا على ألسنة الإعلاميين والساسة ، مثل الدولة الدينية، والدولة المدنية ، دون أن يكون هناك دلالة قاطعة ، واضحة ومحددة لهذه المصطلحات ، مما يترتب عليه حالة من الاضطراب والخلط تختفى إزاءها معالم الحقيقة ، ولعل هذا هو المقصود والهدف من ترديد هذه المصطلحات على نحو يثير المخاوف لدى جماهير عريضة لا يتسنى لها الوقوف على تحديد المصطلحات وتحرير مواضع النزاع ، ووضع الأمور فى نصابها. ومصطلح الدولة الدينية من أبرز المصطلحات التى استخدمها قطاع كبير من الإعلاميين والساسة لتفزيع الجماهير فى أوطاننا الحبيبة من الإسلاميين ، زاعمين أن فوز الإسلاميين واعتلائهم سدة الحكم فى بلادنا معناه إقامة دولة دينية، على غرار الدولة الدينية التى عرفت عند الغرب المسيحى فى القرون الوسطى باسم الحكومة الثيوقراطية، حين كان يحكم رجال الدين المسيحى باسم الحق الإلهى أو بتفويض من الإله ، ويستمدون شرعيتهم من الله ، ، ويتلقون تشريعاتهم وقراراتهم – بزعمهم - من الله ، وكانت لهم القداسة والعصمة . وقد كان لمصطلح الدولة الدينية ظلال مخيفة ورهيبة فى ذاكرة التاريخ ، وفى نفوس الملايين ، ويكفى أن تذكر هذا المصطلح لتنفر الجماهير من دولة دينية معاصرة حال صعود الإسلاميين .. وإذا أردنا تحرير موضع النزاع لنحدد جوانب الاتفاق والاختلاف فإننا نقول لا تضرنا الأسماء متى وضحت المسميات ، ولا تضرنا العناوين متى وضحت المضامين ، والعبرة للمقاصد والمعانى لا للألفاظ والمبانى .. قولوا لنا ماذا تقصدون بالدولة الدينية نقل لكم نتفق معكم أو نختلف. • فإذا كنتم تقصدون بالدولة الدينية ما ذكرت آنفا، فإنى أقول لكم هذا التصور غير موجود فى الدولة الإسلامية أو الدولة الدينية التى تتبنى الإسلام مصدرًا ومرجعًا وموجهًا . فإن الحاكم فى الدولة الإسلامية إنما هو بشر ليس بملك ، وليست له عصمة ولا قداسة ، يصيب ويخطئ ، يحسن ويسىء ، وهذا ما صدع به الخليفة الأول أبو بكر الصديق فى أول خطبة خطبها حين قال ( إن أحسنت فأعينونى وإن أسأت فقومونى ) وهو ما عناه الخليفة الثانى عمر بن الخطاب حين قال ( أيها الناس من رأى منكم فى اعوجاجًا فليقومه ) فقال رجل : ( لو وجدنا فيك اعوجاجًا لقومناه بسيوفنا ) . • وإذا أردتم بالدولة الدينية، أن شعبها صاحب دين ، وأن أهلها أصحاب ديانة فأنا أيضا أتفق معكم ، ذلكم لأن المسلم صاحب دين ، والمسيحى صاحب دين ، واليهودى صاحب دين ، وحيثما قامت دولة لصنف من هؤلاء أو تجمعهم جميعًا تحت سماء واحدة فهى بلا ريب دولة دينية . • أما عن مصطلح الدولة المدنية، فإذا أردتم به عكس الدولة العسكرية ، فأنا أيضا أتفق معكم أما إذا أردتم بالدولة المدنية أن يحكمها مدنيون فهذا أيضا محل اتفاق وإذا كنتم تريدون بالدولة المدنية المعنى الذى هو ضد الدولة الدينية بالمفهوم الأوروبى فى العصور الوسطى ، فقد فصلت فى ذلك آنفًا. فأى المعانى للدولة الدينية والدولة المدنية أردتم ؟ وإلى أى الدلالات لمصطلح الدولة الدينية والمدنية ذهبتم ؟ أفصحوا لنا عن مقصودكم [email protected]