بالأمس القريب كان المسلمون في شتى بقاع الأرض ينتظرون استطلاع رؤية هلال شهر رمضان الفضيل بلهفة وشوق وفرحة عارمة وعزيمة متقدة وأمل وتفاؤل ورغبة في أداء الطاعات وفعل الخيرات لنيل الرحمات والبركات من رب الأرض والسماوات.. ففي رمضان أبواب الجنان مفتحة، وأبواب النيران مغلقة، والشياطين مسلسلة، والدعوات مستجابة، والتوبة مقبولة بمشيئة الله تعالى.. وها هي أيامه ولياليه تمر بسرعة شديدة،، ولم تتبق منه سوى أيام مباركات معدودات سنتلمس خلالها ليلة القدر التي أُنزِل فيها القرآن هدىً للناس وبينات من الهدى والفرقان، ليلة خير من ألف شهر - بلغنا الله إياها وأعاننا على صيامها وقيامها خير قيام واستجاب دعواتنا فيها - آمين يا رب العالمين..
فمن المسلمين من تسابقوا في الخيرات والطاعات وبذلوا واجتهدوا منذ الليلة الأولى من رمضان وما زالوا يجتهدون مسارعين إلى مغفرة من ربهم وجنةٍ عرضها السماوات والأرض، ومنهم من فترت عزائمهم وقلت جهودهم وملت وضعفت أنفسهم سريعا، وبدأوا يستثقلون الصوم ويقصرون في أداء صلاة القيام والتهجد، ولم يعودوا ينفقون من مال الله المستخلفين فيه كما كانوا ينفقون بسخاء في بداية الشهر الكريم،..
بفضل الله وكرمه ، ما زال بيننا رمضان حيًا ومستمرًا، ومنحة ما زالت بين أيدينا، وفرصة طيبة للتوبة النصوحة وأداء الطاعات للحصول على الأجر والثواب المضاعف والمغفرة من الله عز وجل.. فلنحسن استغلال أوقات رمضان المباركة التي لا تُعوَض قبل أن تصعد أرواحنا إلى بارئها، ولنشغل أنفسنا بكل ما يقربنا من الله تعالى ويعيننا على الطاعة وفعل الخيرات لعلنا نكون ممن سيشملهم الله برحمته وعفوه ورضوانه ويعتقهم من النيران في نهاية هذا الشهر المعظم..
رمضان .. أرجوك لا تستعجل الرحيل.. فالنفوس تتوه وتضعف في غيابك ، والعزائم تخور من ورائك.. والقلوب تحزن وتتألم لفراقك.. والعقول تتشتت وتنشغل بما هو أدنى من بعدك..
أرجوك.. تريث ولا تستعجل، لم نلبث أن نقول لك أهلًا حتى تريد الفراق سريعا وسهلًا، نحن ما زلنا في أمس الحاجة إلى بقائك لننعم بخيراتك وبركاتك وننهل من نفحاتك العطرة، ونروى إيماننا الظمآن وقلوبنا العليلة التي أثقلتها الذنوب طوال العام.. انتظر، فما زال بيننا غافلون، في أداء الطاعات مقصرون، وبشهوات الدنيا متعلقون، عسى أن يستفيقوا من غفلتهم ويلحقوا بك وبأفضالك وبركاتك، فيهديهم الله بعد طول ضلال، ويمكنهم من التوبة بعد أن أتعبتهم المعاصي، ويشرح صدرهم للإيمان والاستقامة والثبات على الدين القيم بعد غفلة طويلة حرمتهم لذة الطاعة والتقوى والقرب من الله تعالى، والأنس بكتابه العزيز الذي فيه شفاء ورحمة وهدى للناس أجمعين.
اللهم لا تخرجنا من هذا الشهر الفضيل إلا وأنت راضٍ عنا وغافر لنا وقابل توبتنا ومستجيب دعواتنا، وعاتق رقابنا من النار إنك على كل شيء قدير.