مثَّلت الانتفاضة في سوريا والخطر الذي شكلته على نظام الأسد، اختبارًا صعبًا لحزب الله؛ حيث كان عليه أن يختار إما النظام الذي يمثل بالنسبة له داعمًا قويًّا وعمقًا استراتيجيًّا، أو الصورة الذهنية الجيدة له لدى الرأي العام السوري والعربي والتي كانت بمثابة شكل من أشكال القوة الناعمة للحزب. صدَّقَ حزب الله على أن حكومة الرئيس بشارالأسد تخمد تمردًا تشنه عصابات مسلحة من السلفيين والمتطرفين السنة، كما التزم تلفزيون (المنار)، التابع للحزب بالرواية الرسمية السورية، واعتبر المحتجين على أنهم عملاء لمؤامرة خارجية، بعد أن كانت قد تجاهلتهم في البداية بشكل كامل، مما ولَّدَ استياءًا هائلًا بين السوريين الذين كانوا تقليديًّا مؤيدين للحزب بشكل كبير. على الأرض، ذكرت بعض التقارير أن حزب الله يدير سجونًا في وسط وشمال وادي البقاع في لبنان يعتقل فيها بعض الناشطين السوريين، فضلًا عن وجود بعض عناصره في سوريا للمساهمة في قمع الاحتجاجات في البلاد، وعلى الرغم من صعوب التأكد من صدقية مثل هذه التقاريربأغضافة نفي المسؤولين في الحزب لها، إلا أن أهمية العلاقة بين النظام السوري وحزب الله قد تبرر سلوكه مثل هذا المسلك. منذ البداية والعلاقة خاصة بين نظام الأسد وحزب الله؛ فقد كان الحزب من الحركات المسلحة القليلة التي استثنتها دمشق من نزع سلاحها مع نهاية الحرب الأهلية، إلى أن تطورت العلاقة إلى تنسيق سوريا لقراراتها بشكل وثيق مع الحزب، خاصة فيما يتعلق بالشأن اللبناني، والصراع العربي الإسرائيلي. وعلى الرغم مما حقَّقهَ حزب الله - الذي كانت دمشق تسيطر عليه تقريبًا في التسعينات - من استقلال أكبر بكثير مما كان يتمتع به، إلا أن سوريا مثلت في كل الأحوال الرافد الرئيس في دعم الحزب وتعاظم نفوذه محليًّا في لبنان وإقليميًّا، بما تقدمه سوريا بالأساس كممرٍ للدعم والأسلحة المتوجهة إلى حزب الله، بعد أن تقوم إيران بتقديمه إلى سوريا. يمكن القول إن أثر السقوط المحتمل للنظام السوري على حزب الله سيكون أكثر وضوحًا وفورية، صحيح أن إيران ستستمر بتزويد حركة المقاومة بالسلاح جوًّا أو بحرًا، إلاّ أن التدفق لا بد أن يتقلص، مما سيجعل من الصعوبة على حزب الله الاحتفاظ بوضعه العسكري الحالي، وردع أي هجوم إسرائيلي أو تعويض خسائره في حال حدوث مواجهة مسلحة فعلية. وبينما يتمتع حزب الله الآن وحلفاؤه من الشيعة والمسيحيين باليد العليا في لبنان – جزئيًّا - بفضل النفوذ السوري، فإن الضغوط التي يواجهها نظام الأسد في بلاده، تُعَرِّضْ نفوذ الحزب لتهديدٍ قد يدفعه إلى تشديد قبضته القوية بالفعل على لبنان، خاصة إذا ما شعر أن حليفته الرئيسة سوريا تضعف أكثر، وبالفعل تشير بعض التقارير إلى إعادة تموضع لقوات حزب الله استعدادًا لأية مستجدات أو مخاطر يتعرض لها. ورغم أن الحزب كان قد تمتع بدعم شعبي حقيقي داخل سورية - خاصة بعد انسحاب القوات الإسرائيلية من لبنان في 2000، وتصديه للهجوم الإسرائيلي في 2006 - فإن الدعم غير المتحفظ الذي أبداه الحزب للنظام عندما قام بقمع شعبه، يقلص بشكل كبير احتمال أن يتجه أي نظام في المستقبل يأتي نتيجة اختيار ديمقراطي، لتقديم نفس مستوى الدعم. في الحقيقة يبدو وكأن اختيار حزب الله دعم بقاء نظام الأسد وتقديم العون المعنوي – ومن المرجح المادي أيضًا – له، خيارًا تكتيكيًّا بامتياز، وضع به نفسه وما يمثله في مواجهة حركة احتجاج تجتاح العالم العربي بأكمله، من المتوقع أن يكون لها التأثير الأكبر في مستقبل المنطقة. ويبدو أن المبرر الوحيد لهذا الخيار هو أن حزب الله قد رأى في تهديد وجود النظام السوري تهديدًا أخطر من المخاطرة بالمستقبل.