بعد أسابيع من فوز حزب النهضة في انتخابات المجلس التأسيسي في تونس وفيما اعتبر مفاجأة جديدة في إطار المد الإسلامي المرتبط بثورات الربيع العربي , أعلن حزب العدالة والتنمية الإسلامي المعتدل فوزه في الانتخابات البرلمانية التي جرت في المغرب في 25 نوفمبر . وقال لاشين داودي نائب زعيم حزب العدالة والتنمية الاسلامي المعتدل في تصريحات لوكالة "رويترز" إنه بناء على التقارير التي قدمها ممثلو الحزب في مراكز الاقتراع في كل أنحاء المغرب ، فقد فاز حزب العدالة والتنمية. ومن جانبه ، قال الطيب الشرقاي وزير الداخلية المغربي إن نسبة الإقبال على التصويت في أول انتخابات تشريعية تجرى بعد التعديلات الدستورية الأخيرة والتي شارك فيها 31 حزباً بلغت 45 في المائة بارتفاع عن انخفاض قياسي سجل عام 2007 عندما صوت 37 في المائة فقط من بين الناخبين المسجلين وأوضح أن الانتخابات جرت في ظروف عادية وفي جو من التعبئة التي تميزت بالمنافسة واحترام القوانين الانتخابية ، ولكنه لم يؤكد أو ينفي صحة ما أعلنه حزب العدالة والتنمية . وكان التنافس احتدم بين ثلاث قوى هي : حزب الاستقلال والتجمع الوطني للأحرار وحزب العدالة والتنمية المعارض ، وحسب البيانات الإحصائية لوزارة الداخلية المغربية، فإن عدد الناخبين في هذه الانتخابات المبكرة بلغ 13.6 مليون ناخب قاموا بالتصويت لانتخاب 395 نائبا في مجلس النواب. وراهن حزب العدالة والتنمية الإسلامي المعارض "47 نائبا " الذي يتزعمه عبد الإله بن كيران على فوز كالذي حققته حركة النهضة الإسلامية بزعامة راشد الغنوشي في تونس يوم 23 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. ورغم أن الحزب واجه خصمين أساسيين يتمثلان في حزبين محنكين عضوين في الائتلاف الحاكم، وهما حزب الاستقلال وحزب التجمع الوطني للأحرار , إلا أن هناك عدة أمور صبت في صالحه من أبرزها ، فشل الأحزاب المرتبطة بالقصر في تحقيق طفرة اقتصادية والمد الإسلامي في المنطقة على إثر ثورات الربيع العربي ، حيث جاءت انتخابات المغرب بعد انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في تونس وقبل انتخابات تشريعية مقررة في مصر في 28 نوفمبر ، وهما البلدان اللذان يحظى فيهما الإسلام السياسي بشعبية كبيرة على غرار تركيا. وبالنظر إلى أن المملكة تشهد نسبة بطالة مرتفعة خصوصا بين الشباب، وهناك غليان اجتماعي ، فقد اعتمد حزب العدالة والتنمية أيضا على التأييد الذي يتمتع به بين الفقراء في الريف. ويبدو أن تقديم موعد الانتخابات صب أيضا في صالح حزب العدالة والتنمية ، حيث كان من المقرر أن تجرى في سبتمبر/أيلول 2012، لكن الملك محمد السادس قدم موعدها في محاولة لتجنب ثورات الربيع العربي ، قائلا إنه يريد تشكيل حكومة جديدة لسن الإصلاحات المعتمدة في الاستفتاء الذي جرى في يوليو/تموز الماضي وأعطى البرلمان دورا أكبر في العملية التشريعية، كما أنه عزز دور رئيس الوزراء الذي سيعينه الملك من الحزب الفائز بأكبر عدد من مقاعد البرلمان. ورغم أن حزب العدالة والتنمية الإسلامي حاول خلال حملته الانتخابية التأكيد على اعتداله ، إلا أن صحيفة " نيويورك تايمز" الأمريكية حذرت من أن الحزب قد يدعم السياسات المناهضة للغرب إذا ما وصل إلى السلطة. وأضافت الصحيفة أن الانتخابات وإن كانت اختبارا للديمقراطية التي دعا إليها الملك محمد السادس استجابة لمتطلبات الربيع العربي ، فإنها شهدت مقاطعة عدد من الأحزاب والحركات السياسية من أبرزها حركة 20 فبراير للتغيير التي قادت الاحتجاجات ضد الحكومة هذا العام والتي دعت لملكية دستورية بحيث يملك الملك ولا يحكم . وتابعت " نيويورك تايمز" أن التعديلات الدستورية الجديدة - من وجهة نظر الحركة - تعزز من امتيازات الملك، وأن الانتخابات البرلمانية التي جرت في 25 نوفمبر ستجلب مجلسا فاسدا آخر للسلطة . وبصفة عامة ، فإن حزب العدالة والتنمية بعد تأكيد فوزه سيكون ثاني حزب إسلامي معتدل يفوز بالانتخابات بدولة بشمال إفريقيا منذ بدء انتفاضات الربيع العربي بعد تونس ، إلا أن هناك عقبات كثيرة بانتظاره قد تعرقل طموحاته في تكرار النموذج "الأردوغاني" التركي في المغرب من أبرزها النظام الانتخابي النسبي المعقد بالمغرب والتي تجعل الأمر عصيا على حزب واحد تشكيل حكومة بمفرده ، بالإضافة إلى ما يذهب إليه البعض حول أن الملك ما زال يمسك بالسلطة الرئيسية في يده وأن المملكة ما زالت غير مهيأة للديمقراطية.