أظهر تطوران مهمان خلال الأسبوع الماضي حجم التحول على مستوى إدارة الرئيس بوش في سياستها تجاه إعادة الاصطفاف مع القوى السنية لموازنة النفوذ الشيعي الموالي لإيران في العراق.. حيث كشف السفير الأمريكي في العراق "زالماي خليل زاد" في مقابلة مع صحيفة "الواشنطن بوست" بأنه أثار مسألة مستقبل المساعدة العسكرية مع الحكومة ذات الغالبية الشيعية المسيطرة، وهذا لإجبار زعماء الأحزاب الشيعية الحاكمة للتخلي عن السيطرة على وزارات الأمن الرئيسية. وهدد السفير بأنه إذا تمسكت الحكومة بوزراء طائفيين، فإن واشنطن مجبرة على إعادة النظر في مساعدتها للحكومة العراقية. وكذا التلويح بالتوقف عن تمويل الوحدات العسكرية التي يغلب عليها التوجهات الطائفية، الأمر الذي يمكن أن يؤثر على معظم الجيش العراقي، بالإضافة إلى وحدات مغاوير الشرطة الشيعية الخاصة، التي ترتبط إلى حد كبير بالقيادة العسكرية الأمريكية. الكشف عن التهديد الأمريكي، تلاه إيحاء في العدد الأخير من مجلة "نيوزويك" الأمريكية، بأن المحادثات بين الولاياتالمتحدة وبعض زعماء المقاومة السنة من "المستوى العالي" في قاعدة عسكرية أمريكية في محافظة الأنبار، وفي الأردن بالإضافة إلى سوريا. وقد صرح خليل زاد لنيوزويك قائلا: "الآن كسبنا القيادة السياسية السنية، والخطوة القادمة أن نكسب المتمردين". والهدف السياسي الأمريكي المشار إليه من خلال هذه المحادثات، لن يستهدف أو بالأحرى ليس موجها لإحداث "انشقاق" داخل المجموعات المسلحة التي لا تتمسك بشكل "متصلب" بشرط الانسحاب الأمريكي، كما خططت وزارة الدفاع الأمريكية منذ الصيف الماضي. بدلا من ذلك، تبدو إدارة بوش مستعدة اليوم لإجراء نوع من الصفقة مع أغلب المجموعات المقاومة الرئيسية، وفي هذا السياق، صرح الناطق العسكري الأمريكي ريك لنتش قائلا: "المتمردون المحليون أصبحوا جزءا من الحل". والسياق الأهم في هذه المناقشات، هو تقاطع المصلحة العامة بين السنة والأمريكان في موازنة التأثير الإيراني في العراق، بينما يبقى المسئولون الأمريكان ملتزمين الصمت بخصوص هذه السياسة. وطبقا لنيوزويك، واستنادا لدبلوماسي غربي عالي المستوى، فإن "هناك قلق كبير، في كلا الجانبين، بشأن الهيمنة الإيرانية على العراق". القلق الأمريكي حول الميول الإيرانية للأطراف الشيعية التي ستسيطر على الحكومة القادمة، برز بشكل واضح، في الوقت الذي تضغط فيه إدارة بوش لإحالة برنامج إيران النووي إلى مجلس الأمن، ويبدو أن واشنطن احتاجت لإيجاد "حلفاء لن ينقلبوا عليها إذا تأزمت الموقف مع إيران". وحتى إن لم تتوصل الولاياتالمتحدة إلى أي اتفاق مع أطراف المقاومة، فإن الشيعة أدركوا بأن واشنطن ما عادت متمسكة بخيار مساندة الجيش والشرطة المشكلين من الغالبية الشيعية. بينما يرى زعماء السنة أن السياسة الأمريكية بصدد التحول نحو الاصطفاف مع قواهم لتحديد سلطة الشيعة، وأنهم إلى حد ما في موقع قوة الآن. وتحاول إدارة بوش البحث عن طرق فعالة لموازنة تأثير الأحزاب الشيعية الموالية لإيران منذ منتصف العام 2004، خاصة ما يتعلق برفع السيطرة الشيعية على القوات الشبه عسكرية والشرطة السرية. لكن حتى فترة قريبة، تعثرت تلك المحاولات بسبب الدفع بأولوية محاربة المقاومة السنية. بينما أُقنع الزعماء الشيعة منذ الانتخابات البرلمانية الماضية أن واشنطن تتآمر مع "أعدائهم" لاختطاف السلطة السياسية من بين أيديهم. ويعتقد الزعماء الشيعة أيضا أن التغيير في السياسة الأمريكية يراد منه في حقيقة الأمر، إعادة تركيب حكومة بعثية في بغداد. وأن المجلس الأعلى للثورة الإسلامية مستعد، كما جاء على لسان أحد قادته، لاستعمال القوة إذا كان ذلك ضروريا للدفاع عن الحكومة الحالية. وكل طرف يرقب الآن حجم التحول في إدارة بوش لإعادة اصطفافها سياسيا في العراق. وحسب بعض المراقبين، فإن التحركات الجديدة توحي ربما بأن واشنطن أعادت تحديد مصالحها في العراق بالتقليل من أهمية المعركة ضد "التمرد" هناك في ضوء النزاع الأكبر مع إيران. ويبدو أن للسفير خليل زاد في الفترة الأخيرة "الكلمة الأخيرة" في وزارة الخارجية بخصوص الملف العراقي في شقه السياسي، حيث يعد العقل المدبر للتوجه السياسي الأمريكي الجديد في العراق، ويحظى باهتمام الرئيس بوش. كما أن السياسة الجديدة قد تعكس إلى حد ما إرادة وزير الدفاع دونالد رامسفيلد والصقور الآخرين أو ما كانوا يبحثون عنه في تعاملهم مع الملف الإيراني، رغم أن وزيرة الخارجية رايس فرضت نفسها على الجميع. المصدر : العصر