اختتم عام 2005 أحداثه التي نتمنى أن لا نري أمثالها في العام الجديد بوقائع أعمال مؤتمر منظمة التجارة العالمية المعروفة بالجات الذي عقد منذ أيام بهونج كونج...وبالرغم من أن الهدف الأساسي لتلك المحادثات هو إلغاء كل الحواجز أمام التجارة العالمية بين جميع دول العالم الا أن نتائج هذا المؤتمر تعتبر هزيلة ودعمت هيمنة الشركات الكبري بالدول الغربية الغنية علي الاقتصاد العالمي!!...ولم تنال الدول النامية ومن بينها مصر سوي الوعود علي المدي البعيد والتي تتمثل في إلغاء الدول الغنية نوع واحد فقط من الدعم الذي تقدمه لمزارعيها ولكن بحلول عام 2013 ، ما عدا الدعم المقدم للقطن ، بالاضافة الى قليل من المساعدات الوهمية لدول العالم الأشد فقرا...أما الدعم الذي وافقت على إلغائه الدول الغنية فهو يتعلق بدعم الصادارت الذي تقوم فيه هذه الدول بتعويض المزارعين وشركات الزراعة العالمية عن تكلفة التصدير وهو ليس كل الدعم بل نوع واحد فقط منه...ومن الجدير بالذكر أن الدعم الغربي للمزارعين يضر بالمزارعين المحليين في الدول النامية ومن ثم باقتصاد تلك الدول حيث يؤدي الي تخفيض أسعار السلع بشكل كبير في الأسواق العالمية والمحلية مما يفتك ويدمر الانتاج المحلي وليست مشكلة القمح المصري الأخيرة ببعيد!!... ان الدول الغنية لم تقطع عهدا علي نفسها بإلغاء الدعم الداخلي والذي يصل الي بلايين الدولارات سنويا لمزارعيها ولشركاتها الزراعية لأن ذلك يعتبر أهم نوع من أنواع تخفيض أسعار منتجاتهم الزراعية التي تؤدي بدورها الي إغراق الأسواق العالمية بها وخنق المنافسين خصوصا بالدول النامية مثل مصر وكينيا والهند والبرازيل ممن لا يتلقون دعما موازيا من حكوماتهم...وبناءا عليه يعتبر مؤتمر هونج كونج قد فشل في إلزام أمريكا واليابان والاتحاد الأوربي في إنهاء دعمهم الزراعي المحلي... هذا وقد أصرت أمريكا واليابان على سبيل المثال على استبعاد بعض المنتجات من صيغة الإعفاء من الحصص والرسوم بينها وبين الدول الأشد فقرا خشية على منتجاتهم المحلية وحماية لصناعتهم!!...فقد أعلنت أمريكا إنها ستمنع دخول الأنسجة والأقمشة ضمن أي برنامج مع أي دولة من الدول الأشد فقرا مثل كمبوديا وبنجلاديش وهما دولتان تصدران المنسوجات وبالتالي فلن تستفيدا لأن أمريكا تضع مصلحة مصنعي الأنسجة والملابس الأمريكيين أولا وقبل كل شئ...كما أن اليابان وعلي نفس الوتيرة أعلنت أنها لن تسمح بدخول الأرز الي أسواقها...فأين نحن من هذا المخطط؟؟...هل سمعتم عن مشكلة القمح الأخيرة؟؟!!...وكيف لم تشتر الوزارات المعنية القمح المصري من الفلاحين؟!...الدول تدعم الفلاح وتشجعه ونحن لا نشتري محصوله!!... لقد حصلت أوربا واليابان وأمريكا على تعهدات لإلزام الدول النامية ذات الأسواق الكبيرة والربح الوفير مثل مصر والسعودية والبرازيل والهند وجنوب أفريقيا بأهم هدف تسعى وراءه الشركات الغربية الكبيرة وهو تحويل العالم كله إلى سوق كبيرة مفتوحة للمنتجات الأمريكيةوالغربية والقضاء على المنافسين المحليين...ومن ناحية أخري فان دخول الشركات الأمريكية والأوربية القوية وذات رأس المال الكبير الي أسواقنا سوف يسحق العمالة المحلية ويزيد من حجم مشكلة البطالة ويقضي على الشركات القومية تماما ويفرض علي الدول النامية تبعية مستقبلية قد تستمر لفترة طويلة...وهذا يذكرنا بعهود الاستعمار السابقة والتي كان فيها رجال الأعمال الغربيون وشركاتهم يعملون في الدول المستعمرة بحرية مطلقة ويقومون باستغلال الموارد البشرية والطبيعية في الدول المحتلة لصالح إثراء الدول المستعمرة الكبيرة كبريطانيا وفرنسا وإيطاليا والبرتغال...كما أن إلزام الدول الفقيرة والنامية بفتح أسواقها للخدمات الغربية خصوصا في مجالات الأمن القومي مثل توزيع المياه والكهرباء والتعليم والرعاية الصحية ليعد الطامة الكبري علي تلك الدول وهو الاستعمار بعينه ولكن في ثوب جديد مدعوما بالهيئات والمنظمات الدولية وتحت مظلة الشرعية الدولية!! ومباركة رجال الأعمال وأصحاب المصالح بتلك الدول الفقيرة!!...ويجدر التنويه بأن هناك أعتراض من قبل تلك الدول المغلوب علي أمرها ولكن لا حياة لمن تنادي!!... ان هذه السياسة الجاتية تؤدي الي تحويل المحلات والمصانع والشركات المحلية بالدول النامية الي أخري تتبع الشركات العالمية الكبيرة المهيمنة مما يؤدي الي تدمير المنتج المحلي وتشريد العمال بها وتقل الفائض المالي إلى خارج البلاد حيث الشركات الأجنبية...الأمر الذي يحول دون اعادة استثماره في البلد الأصلي مما ينتج عنه انهيار العملة المحلية وباقي التوابع السيئة الأخري... ولنا أن نتخيل المردود الاجتماعي بالاضافة الي النتائج الاقتصادية إذ كيف سيكون المجال التعليمي مفتوحا أمام شركات أجنبية وشركائهم من رجال الأعمال المحليين وما يمكن أن تكون عليه طبيعة التعليم وأعمدته وأفكاره تحت قيادة أجانب لا يشتركون مع الدول النامية في الثقافة والدين وكل هذا برضا الحكومات العربية التي وافقت على هذه الاتفاقات العالمية التي تتزعم الترويج لها أمريكا وأوربا...هذا وتقوم المؤسسات المالية الدولية ذات الموارد الكبيرة بالضغط على الدول النامية عن طريق منحهم قروضا مصحوبة بشروط تنص على فتح الأسواق وتفضيل الشركات الأجنبية وإعطائهم معاملات امتيازية أو عن طريق تقديم المعلومات الفنية للدول النامية بعد التلاعب قيها لتناسب أجندة الشركات الغربية بحجة أنها معلومات اقتصادية ونصائح غالية وثمينة في السياسة الاقتصادية وتهم اقتصاد تلك الدول... ان الدول الغربية الغنية والمهيمنة استطاعت إيجاد طابور خامس من رجال الأعمال ومن رجال السياسية أصحاب المصالح المستفيدين من علاقاتهم مع الشركات الغربية في الدول النامية...فكثير من الوكلاء للشركات الأجنبية هم من أصحاب المصالح الخاصة وأصحاب النفوذ بالدول النامية ولهم صلات قوية بهم...فهل آن الأوان أن نفوق ونعي جيدا ما هو في مصلحة بلادنا أو ما هو ضده؟ هل آن الأوان أن نحمي محاصيلنا القومية وزراعتنا ومزارعينا من التأثر بتلك المخططات الجاتية؟؟ وأن نحميها من تلك الآفة التي هي أشد فتكا وتدميرا لزراعاتنا من دودة القطن التي تصيب القطن فقط والحشرة القشرية التي تصيب قصب السكر فقطوالعفن الأبيض الذي يصيب البصل فقط...رحماك يا الله... *كلية الهندسة جامعة أسيوط[email protected]