تحدثت فى مقال سابق عن الحشو واللغو الذى تمتلأ به وثيقة السلمى والتى كانت بمثابة قنابل الدخان التى أريد منها أن تخفى الغرض الرئيس منها وهو تحجيم دور الإسلاميين فى لجنة وضع الدستور الجديد إضافة إلى الزج بالقوات المسلحة فى الحياة السياسية لحماية الواجهة العلمانية التى تريد فئة ما إضفاءها على مصر . وقد أثبتت مناقشات " الربع ساعة الأخيرة " صدق ما قلته فقد أعلن السلمى استعداده لتعديل المادتين التاسعة والعاشرة من الوثيقة وهما المادتان الخاصتان بوضع الجيش وميزانيته أما المادة الخاصة بلجنة تشكيل الدستور فقد تم الاقتراب منها على استحياء بحيث لا تغير منها تغييرا حقيقياً وحسنا كل القوى الوطنية التى دعت إلى سحب الوثيقة تماماً وكأنه لم تكن فليس من المعقول أن تستأثر " مجموعة " بمقادير وتوجهات البلاد وتحاول فرض أفكارها على الشعب بذات الطريقة السلطوية القهرية بحجة الدفاع عن ثوابت الدولة المصرية وهى كلمة عائمة تحمل مضامين ودلالات مختلفة يستطيع أى واحد منا أن يفسرها وفق أيديولوجيته والمخرج من كل هذا أن ندع الشعب المصرى هو الذى يختار بين البرامج المطروحة والتى تتناسق مع " ثوابته " المركوزة فى فطرته وشخصيته . حتى كتابة هذه السطور مازالت الضبابية تسيطر على الموقف فلم يصدر أى بيان من مجلس الوزراء أو المجلس العسكرى يفيد سحب الوثيقة كما أن جماعة الإخوان المسلمين أعلنت مشاركتها الرسمية فى مليونية الجمعة 18 / 11 هذه الضبابية كنا فى غنى عنها لو أننا التزامنا بمسارنا الانتقالى الذى خرج الشعب للاستفتاء عليه حتى ولو كان حدث فيه بعض اللغط إلا أنه كان توافقاً شعبياً وليس " نخبويا " ولو فعلناها لكنا الآن فى طريقنا لانتخاب رئيس الدولة ولكن البعض ملأ حينها الدنيا صراخاً وعويلا عن عدم جاهزيته وأنه لو جرت الانتخابات لفاز التيار الإسلامى الأكثر استعدادا وتنظيماً وأنه لابد من إعطاء الفرصة للشباب لتنظيم صفوفهم وأحزابهم والآن وبعد حوالى عشرة أشهر على قيام الثورة فإن الأيام كانت كفيلة لإثبات أنها كانت شماعة لمداراة الفشل فقد طالت الفترة الانتقالية وبالرغم من ذلك لم نر أحزابا قوية وبرامج فتية ورؤى نهضوية ومازالت نفس الوجوه تشكو – التى أصابها الكسل من قعدة الاستوديوهات - ذات الشكوى بأن التيار الإسلامى هو الأكثر جاهزية ... نحن نعيش حالة كبيرة من الكذب الممنهج تريد خداع هذا الشعب وإخراجه من المعادلة السياسية تحت لافتة " التوافق " وليس من حق أحد أن يتوافق بعيدا عن إرادة الشعب لا العلمانيين ولا حتى الإسلاميين فالشعب هو الذى يختار مستقبله وهو صاحب الإرادة التى تعلو فوق كل السلطات وفوق الدستور . وثيقة السلمى ولدت ميتة لأنها أرادت التغريد خارج سرب الوطن الذى لم يعد يعرف سوى " حرية .. عدالة اجتماعية " فحريتنا التى استرددناها لن نسمح لأحد أن يسلبنا إياها تحت أى مسمى . [email protected]