يتناول كتاب "تاريخ الإصلاح في الأزهر" للشيخ عبد المتعال الصعيدي أحد شيوخ الأزهر المجددين، والصادر مؤخراً عن الهيئة العامة لقصور الثقافة تاريخ الإصلاح في الأزهر منذ القرن الثاني عشر وحتي خمسينيات القرن الماضي. فمنذ ارتفع نجم الأزهر الشريف كمنارة وقبلة دينية للعالم الإسلامي بعد سقوط بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية عام 656 هجرية علي أيدي التتار وتصدي مصر بقيادة المماليك لهم، أصبح الأزهر هو الجامعة التي يتوافد إليها العلماء من كل الأقطار الإسلامية لتلقي العلم. ودخل الأزهر في منافسة حادة مع المدارس التي أنشأها سلاطين المماليك وازدهر شأنه إلي أن انتهت دولة المماليك بالفتح العثماني لمصر سنة 922 ه وأهمل حال الأزهر ولم يلبث أن أتي القرن الثاني عشر الهجري حتي أصاب الأزهر الضعف التام وانقطعت صلته بماضيه المجيد تماماً، وقد جرت محاولات كثيرة منذ ذلك الحين لإصلاحه. والشيخ عبد المتعال الصعيدي (1895 – 1979) أحد شيوخ الأزهر المجددين والمصلحين وهو صاحب اتجاه مميز في الإصلاح. يقول الشيخ عبد المتعال الصعيدي إن دخول الفرنسيين مصر وإدخالهم العديد من العلوم بها لم ينبه أهل الأزهر إلي ما هم فيه من تأخر وجمود وتعصب ولكن جاءت أولي المحاولات للإصلاح علي يد الشيخ حسن العطار المولود بالقاهرة عام 1180 فانتقد طريقة التدريس بالأزهر ووجه لوماً شديداً لأهله لعدم إطلاعهم علي الكتب الحديثة وعدم إطلاعهم علي العلوم الأخري وإهمالهم للعلوم الحديثة ورأي أن إصلاح شأن الأزهر يكون بتجديد العلوم. انقطعت بعد ذلك محاولات إصلاح الأزهر حتي جاء رفاعة بك الطهطاوي الذي حاول إقناع الأزهريين بفائدة الإصلاح وحاول حمل الخديو علي تنفيذ الإصلاحات إلا أنه كان يخشي من غضب الأزهريين كثيراً فكان يدعوهم للإصلاح برفق إلا أنهم غالباً ما كانوا يعرضون عن دعوات الإصلاح. وتبع الطهطاوي جمال الدين الأفغاني الذي بدأ دروسه في الأزهر بمحاولة الإصلاح إلا أن جهوده توقفت بعزل الخديو إسماعيل، ولكى يحدث إصلاح حقيقي في الأزهر إلا علي يد الشيخ مصطفي العروسي شيخ الأزهر عام 1281 والذي أخذ الأزهريين بالحزم وأدخل نظام امتحان العالمية لتخريج العلماء من الأزهر وإن لم يجد متسعاً من الوقت لتطبيقه وطبقه الشيخ محمد المهدي العباسي فسن امتحانات للتدريس في الأزهر. وكان أكبر الإصلاحات في عهد الشيخ محمد عبده الذي توالت القوانين المنظمة للتدريس في عهد فصدر نظام سنة 1314 والذي نظم التدريس في الأزهر بعد أن سادت الفوضي في كل شيء إذ لم تكن هناك أوقات معينة للدروس ولا مسئولية علي المدرسين ولم تكن هناك مدة لدراسة الطالب في الأزهر. وأدخل النظام الجديد علوماً جديدة ونظم أوقات الدراسة في الأزهر والكتب المفروض دراستها ولكن الأزهريين وعلي رأسهم الشيخ سليم البشري عارضوا النظام الجديد وعطلوه بدعوي أن العلوم الجديدة لا نفع منها للطلاب فأدي ذلك لاستقالة الشيخ محمد عبده للأزهر واعتزاله التدريس فانقلب الأزهريون بعد ذلك علي النظام الحديث. ويتوالي عرض الكتاب بعد ذلك لمحاولات الإصلاح المتعددة التي قام بها شيوخ من أمثال الشيخ الأحمدي الظواهري بكتابه العلم والعلماء الذي أصدره في 1904 بعد نيله شهادة العالمية إلا أنه وجد معارضة شديدة له داخل الأزهر، وظل الأزهر يتخبط بين دعاة الإصلاح ودعاة الجمود الذين كثيراً ما انتصروا إلي يومنا الحاضر. ولا يقتصر الكتاب علي عرض تاريخ الإصلاح فقط ولكن يعرض فيه الشيخ عبد المتعال الصعيدي وجهة نظره ومنهجه في إصلاح الأزهر وكيفية إصلاح العلوم الفقهية والشرعية فيه.