منذ مجيء نظام الملالي والحياة في إيران قائمة على الشعارات، ومن يصح أكثر يعش أفضل، هذا هو المبدأ. فتحت ظل هذه الشعارات الصيّاحة استطاع نظام ولاية الفقيه أن يبقي الاعتقاد سائداً لدى كثير ممن لم يطلع على حقيقة الأوضاع أن إيران هي أم القرى كما زعم الخميني. والسبب في ذلك أن هؤلاء المضحوك عليهم غير مدركين حجم المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي مرت بها إيران خلال العقود الثلاثة الماضية وجعلتها تحتل المرتبة الأولى من حيث عدد المدمنين على المخدرات. فبحسب تقارير الأممالمتحدة هناك 220 مليون مدمن في العالم؛ بينهم تسعة إلى اثني عشر مليون مدمن على الأفيون والهرويين، أكثر من مليوني شخص منهم في إيران وحدها. وبحسب إحصائيات منظمة العفو الدولية؛ فإن جمهورية ولاية الفقيه تحتل المرتبة الثانية بعد الصين من حيث عدد ضحايا الإعدامات الفردية والجماعية التي تجري سنوياً. والأولى من بين دول المنطقة التي تمتلك أكثر من عشرة أجهزة استخبارات ومخابرات وشرطة سرية ومليشيات قمعية لا تخضع لقانون المحاسبة والرقابة الحكومية كونها تتبع المرشد الأعلى علي خامنئي مباشرة. ويجهل المدافعون عن النظام الإيراني أن عدد الأطفال المشردين الذين يعشون دون مأوى في شوارع طهران وحدها يعادل عدد أطفال الشوارع في دول أمريكا اللاتينية الأشد فقراً، كما يجهل ضحايا الشعارات الثورية الإيرانية أن اكبر عدد من الصحافيين السجناء في العالم هم في إيران، ناهيك عن سياسات الاضطهاد القومي والمذهبي التي تمارس ضد أبناء القوميات والشعوب غير الفارسية. وهذا جعل إيران تتحول إلى جحيم والشعوب الإيرانية إلى قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة بوجه نظام الملالي ليصبح مصيره في مزبلة التاريخ. هذا إلى جانب العديد من الحقائق الأخرى التي غابت أو غيبّت عنوة عن أذهان أنصار النظام الإيراني بسبب تلك الشعارات الصّياحة. إن كثيراً من المدافعين عن إيران بدعوى أنها جمهورية -إسلامية- لا علم لهم بوقائع الحياة السياسية والاجتماعية في هذا البلد. تلك الوقائع المخزية التي تحدثت عنها شخصيات دينية ووثقتها مراكز دراسات إيرانية وعالمية عديدة خلال السنوات العشر الأخيرة؛ ومن بينها أوضاع المساجد التي أصبحت مهجورة في ظل نظام الجمهورية الإسلامية بعد ما كانت في العهد السابق مفتوحة على مدار الساعة لا تخلو من الرواد والعباد، لكن اليوم وبفضل سياسة الولي الفقيه الجائر أصبح سبعون بالمائة من المساجد لا تفتح أبوابها لصلاة الصبح، وهذا ما أكده الشيخ محسن كديور أحد ابرز قادة التيار الوطني - الإسلامي في إيران. ويتحدث الشيخ محسن كديور، وهو المجتهد والمثقف الإصلاحي البارز بحرقة عن هذه الحالة، مؤكداً أن الأرقام الرسمية أظهرت أن كثيراً من المساجد لا تقام فيها الصلوات بشكل منتظم، مضيفاً أن المساجد تخضع لسلطة مكتب مرشد الثورة علي خامنئي بحيث أصبح من العسير على من هو ليس في الخط الرسمي لتوجهات هذا المكتب أن يحصل على مسجد لإقامة صلاة الجماعة أو العيد. مذكراً بعهد ما قبل الثورة، حيث إنه ورغم الاضطهاد والاختناق الديني والسياسي الذي كان سائداً آنذاك فقد كان من السهل الحصول على جامع مستقل عن سياسة وهيمنة الحكومة، أما اليوم فإن ذلك من المستحيل حيث لا يمكن العثور على مسجد واحد يقع خارج هيمنة السلطات الحكومية. يمضى كديور متسائلاً: هل زادت الحرية الدينية في عهد الجمهورية الإسلامية أم نقصت عما كانت عليه في عهد الشاه؟ ويخاطب قادة النظام قائلاً؛ لكوننا لا نفكر مثلكم فهل هذا يحرمنا من حقنا القول إننا إيرانيون ومسلمون شيعة وواحدة من حقوقنا الدينية أن يكون لنا مسجد بعيداً عن هيمنة الحكومة؟ أليس من شريعة حقوق الإنسان حرية العبادة التي تستلزم حرية المعبد أيضاً؛ بمعنى أن يكون المسجد خارجاً عن سلطة مكتب مرشد الثورة، فهل الصلاة توجب الإخلال في نظام الدولة حتى تغلق الجوامع بوجه المصلين ولا يتم فتحها إلا بأمر من مكتب المرشد؟. طبيعي أن كلام الشيخ كديور لا يشكل كامل حقيقة الحالة في إيران، على الأقل من الناحية الاجتماعية، حيث إن هذا الأمر بلغ في عهد نظام الولي الفقيه الجائر مرحلة من الانحطاط لدرجة باتت أغلب مراكز الدراسات مهتمة بأوضاع الحالة الاجتماعية، وقد وضعت جملة من الحقائق بين يدي القراء والمشاهدين من خلال الأفلام والدراسات الوثائقية التي تقدمها. في هذا الإطار كان أحد مراكز الدراسات قدم فيلمين وثائقيين، أحدهم بعنوان “كركدن.. المتعة أم اللواط أيهما يسبق الآخر في إيران؟”، ويتحدث الفيلم الذي مدته 107 دقائق عن حالة الأطفال المشردين في إيران وكيف يتم استغلالهم جنسياً بصورة بشعة من قبل عصابات المافيا التي يديرها مسؤولون كبار في السلطة، أما الفيلم الثاني والذي عرض على شاشة أحد التلفزيونات السويدية العام الماضي وكانت مدته 57 دقيقة، فقد سلط الضوء على عمليات بيع “الكلى” التي يقوم بها الفقراء الإيرانيون. هذه الأفلام تعد جزءاً من عشرات أو ربما مئات الدراسات الوثائقية التي تصدر سنوياً والتي تتحدث عن عمق المأساة الاجتماعية في إيران. هذه المأساة التي يحاول قادة نظام الملالي التغطية عليها بشعارات فارغة وسياسة إشعال الفتنة الطائفية وغيرها من الأساليب التي لا هدف لها سوى حرف أنظار أتباعهم عن عمق الأزمة التي تمر بها إيران.. لكن هل يصلح العطار ما أفسده الملالي؟.