أن الدستور أقر حق الإضراب وفقاً لإجراءات وشروط من بينها عدم تعطيل المصالح والمرافق العامة، حتى لا يتحول إلى تعسف في استخدام الحق. وكانت المحكمة قالت في حيثياتها إن أحكام الشريعة استندت على قاعدة «درء المفاسد مقدم على جلب المنافع» أن الإضراب يؤدي إلى خلل في متطلبات الحياة، حيث يمتنع المضرب عن العمل "القيام بما يجب عليه في الجانب الخدمي"، وهذا الجانب الخدمي مترابط، ضاربا المثل بأن عمال المطاحن إذا أضربوا عن أعمالهم فلن تجد المخابز الدقيق اللازم لصناعة طعام البشر، وبالتالي يمكن أن يتعرض الناس للموت جوعا، وإذا هلكت نفس تحمل جميع المضربين إثمها، وكذلك العاملين بمحطات المياه. وإن الاعتصام بقصد المطالبة باستبعاد رئيس العمل مخالفة إدارية لا تتفق مع الشرع، كما أن احتلال مقر العمل أبشع أنواع الجرائم التأديبية فضلاً عن ضرورة عدم تجريح نظام الحكم القائم. إن الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها مصر تضمن حق الإضراب للعمال والموظفين، لكن حكم «الإدارية العليا» تحدث عن الخروج عن ضوابط الإضراب، لأن له إجراءات كالإخطار المسبق والالتزام بعدم إتلاف منشآت وأدوات عمل، لان المسألة هنا مسألة عقوبة تأديبية، وليست نفياً لحق الإضراب لأنه حق دستوري ومستمد من قانون يستند إلى معاهدة دولية وقعت عليها مصر، لكن إذا تم الخروج عن ضوابط الإضراب إذن فالعقوبة واجبة والجزاء التأديبي واجب.بالرغم دستورية حق الإضراب وعدم المساس به فإنه يجب عدم احتلال المصنع وتعطيل مصالح المواطنين فهذا لا يدخل تحت بند الحقوق والحريات الدستورية ولكنه تعسف في استخدام الحق وخروج عن الضوابط والآليات القانونية للإضراب. لأنة إذا استخدم أي حق يتسبب في الإضرار فلا يعد حقاً، لأن الفطرة الطبيعية تقول ذلك، كما أن ممارسة اى حق إذا أدت إلى الإضرار بالغير تسمى تعسُّفاً في استعمال الحق. لان القاضي ليس غافلاً عن محيطه الذي يعيش فيه فمن الحق التظاهر والشجب والتظلم والشكوى لكن منذ الخمسينات والستينات قيل إنه لا يجوز للعامل والموظف أن يتخذ من الشكوى ذريعة للتطاول على الرؤساء، والمتهمون إذا اعتصموا أثناء وقت العمل وعطلوا مصالح الناس أضروا بالمصلحة العامة. من المستقر عليه في فرنسا ان حق الإضراب من الحقوق الدستورية المكفولة لكل فئات العمال بغض النظر عن طبيعة الجهة التي يعملون بها, حيث اعترف الدستور الفرنسي الصادر سنه 1946 صراحة بحق العمال في اللجوء إلي الإضراب بنصه في مقدمته علي( ان حق الإضراب يمارس في إطار القوانين التي تنظمه ) وصدر نفس النص في دستور الجمهورية الخامسة لسنه 1958 ونظرا لان المشرع الفرنسي الدستوري أو العادي لم يضع تعريف للإضراب فقد ساهم القضاء الفرنسي في وضع تعريف له , وفي هذا الصدد يذهب مجلس الدولة الفرنسي إلي ان الإضراب هو: التوقف الجماعي المتفق عليه لكل أو بعض العاملين في المرفق العام أو في مرفق آخر , وذلك من اجل تأييد مطالب مهنية . ومن جانبها فان محكمه النقص الفرنسية قد عرفت الإضراب في العديد من أحكامها , ولعل أهمها ان الإضراب هو( توقف مدبر عن العمل بغرض تأييد مطالب مهنية محدده سلفا رفض صاحب العمل تحقيقها . ثانيا: موقف القضاء المصري يلاحظ ندره التعريفات القضائية للإضراب في مصر, ويرجع ذلك لحداثة تنظيمه تشريعيا, وكذلك ندره المنازعات به والتي تعرض على القضاء. الخ.تعلق بموقف القضاء المصري فقد تعرضت محكمه امن الدولة العليا طوارئ للحق في الإضراب وذلك بمناسبة نظرها لقضية إضراب عمال السكة الحديد عام 1986 حيث قامت قوات الأمن بفض الإضراب بالقوة وألقت القبض على عدد كبير من العمال والسائقين وتمت أحاله سبعه وثلاثون منهم إلي محكمه امن الدولة العليا طوارئ بتهم الإضراب والتعطيل العمدي لسير قطارات السكك الحديدية واستعمال القوه والعنف مع السلطات, والإضرار بالمال العام .... الخ . نظرت المحكمة الدعوى وأصدرت حكمها ببراءة جميع العمال من كافه التهم المسندة إليهم . وأسست المحكمة حكمها على عدد من المبادئ الهامة لعل أهمها هو التأكيد على ان مشروعيه الاحتجاج والإضراب مستمده من حيث الواقع من الشعور بالمعاناة والتفرقة وانعدام المساواة وهي أسباب لو توافرت لدفعت العمال دفعا إلي الاحتجاج , وكان ذلك واضحا عندما قالت في حكمها : ( والمحكمة وقد استقر في وجدانها ان ذلك الإضراب ما كان يحدث من تلك الفئة من العمال - وقد كانت مثالا للالتزام والتضحية -إلا عندما أحست بالتفرقة في المعاملة والمعاناة وانه من اللازم رفع تلك المعاناة عن كاهل فئات الشعب حتى لا يستفحل الداء ويعز الدواء) من الناحية القانونية سطرت المحكمة يقينا بان حق الإضراب عن العمل هو من الحقوق المشروعة وفي المقابل فان المصادرة لذلك الحق هو الفعل غير المشروع , فان الحق في الإضراب يستند إلي الاتفاقية الدولية للحقوق ألاقتصاديه , والاجتماعية , التي تنص في مادتها الثامنة بان(( تتعهد الدول الإطراف في الاتفاقية الحالية بان تكفل :...... . الحق في الإضراب على ان يمارس طبقا لقوانين القطر المختص )) وانتهت المحكمة بوضوح لا لبث فيه ان تلك الاتفاقية هي الأجدر بالتطبيق , وان بالتصديق عليها صارت بمثابة تشريع داخلي و وبالتالي فان المشرع هنا قد أباح تلقائيا ممارسه هذا الحق عقب نشر في الجريدة الرسمية . وقد عرفت محكمه امن الدولة العليا طوارئ في هذا الحكم الحق في الإضراب بأنه ( الامتناع الجماعي المتفق عليه بين مجموعه من العاملين عن العمل لفترة مؤقتة لممارسه الضغط للاستجابة لمطالبهم ) غير انه يؤخذ على هذا التعريف انه لم يحدد طبيعة المطالب التي يتم اللجوء للإضراب من اجل تحقيقها فذكر المطالب بهذا الشكل العام يوحي بمشروعيه الإضراب السياسي أو إضراب التضامن وفضلا عن ذلك فان هذا التعريف يجعل من الاتفاق السابق على الإضراب احد عناصره وبعد استعراض كافه التعريفات السابقة يمكننا نعرف الحق في الإضراب بأنه :- حق يخول للعاملين في القطاعين العام والخاص الامتناع عن العمل الملزم امتناعا إراديا ومدبرا لتحقيق مطالبهم المهنية الممكنة في إطار القانون . ويتميز هذا التعريف بأنه يبرو طبيعة الإضراب بأنه حق مشروع طالما مارسه العاملون في إطار القانون - سواء من حيث الشروط الموضوعية أو الإجرائية اللازمة لمشروعيه الإضراب- كما يؤكد على الطابع السلمي للإضراب وعدم ارتكاب العمال للخطأ الجسيم الذي يبرر الفصل , حيث يؤكد التعريف على ضرورره الالتزام بالإطار القانوني للإضراب . ويبين هذا التعريف أبضا ان المطالب التي تبرر اللجوء للإضراب يجب ان تكون مهنية وممكنه ومشروعيه بحيث تستطيع الاداره أو صاحب العمل الوفاء بها بما يمنع وقوع الإضراب أو يؤدي لنهايته حالل بداه فعلا وهكذا يتضح ان حق الإضراب مكفول لعمال المرافق العامة والقطاع الخاص في إطار القانون الذي يمكن حظره أو تقييده بالنسبة لبعض العاملين بما يضمن عدم الإخلال بالأمن القومي أو بالنظام العام وبضرورة سير المرفق العام بانتظام واطراد . لان موقف الشريعة الإسلامية واضح تماما في ذلك لان مبدأ الإضراب بكافة أنواعه سواء إضراب عن التعليم أو عن الطعام أو إضراب سلمي أو غير ذلك، هو مخالف للشريعة الإسلامية لأنه يجلب الضرر للمجتمع، والقاعدة في الشريعة "لا ضرر ولا ضرار". أن "أي عمل ينتج عنه ضرر للمجتمع أو الدولة