فى لقاء فى بدايات هذا الشهر فى مدينة برشلونة الإسبانية مع خبراء وسياسيين إسبان عن «الربيع العربى» شارك فيه العديد من الباحثين العرب والأجانب من شمال وجنوب المتوسط، دار حوار حول تجارب التغيير الوليدة فى العالم العربى، وتلك التى شهدتها أوروبا الشرقية فى نهايات القرن الماضى، وكالعادة دار حديث حول تعريف ما جرى عندنا، وهل هو ثورة أم انتفاضة، كما تبارى بعض باحثى بلدان أوروبا الشرقية فى التساؤل بشكل مباشر عمن سيمول تجربة التحول الديمقراطى فى مصر، على اعتبار أن تجارب التحول هناك كانت معدة سلفا ومدفوعة أثمانها مقدماً من دول الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة. فى المقابل، كان حديث الإسبان مختلفاً لأن بلدهم لم يشهد ثورة ولا انتفاضة، إنما تجربة تغيير سلمى من داخل النظام، وبالتالى تحدثوا عن مسارهم بعد بدء التحول الديمقراطى، وقالوا إنهم لم يقوموا بثورة، لكن قاموا ب«إصلاحات ثورية». لقد لفت نظرى - فى الحقيقة - هذا التعبير الملهم، لأنه جاء من بلد استدعى فيه الحاكم الديكتاتور «فرانكو» قبل وفاته ملك إسبانيا السابق ودعاه للقيام بالتحول الديمقراطى، وبعد وفاة «فرانكو» شهدت إسبانيا أهم تجربة تحول ديمقراطى فى أوروبا حين طبقت «إصلاحات ثورية» أدت إلى إحداث قطيعة مع النظام القديم وجعل إسبانيا واحداً من أكثر البلدان الأوروبية تقدماً (على مشاكلها). أهمية التجربة الإسبانية أنها كانت، بالأساس، صناعة محلية حتى لو كانت متفاعلة (ومتأثرة) بالبيئة الخارجية، وجرت فى ظل أجواء الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتى والولايات المتحدة، على عكس تجارب أوروبا الشرقية التى كان فيها الدور الخارجى حاضناً ومشكلاً لمعظم مساراتها، كما أن التجربة الإسبانية مثل البرتغالية واجهت تحدياً آخر هو «فزاعة الشيوعيين» الشبيهة بفزاعة الإسلاميين فى العالم العربى، ولم يستطع الشيوعيون فى إسبانيا أو البرتغال أن يهدموا التجربة الديمقراطية الوليدة التى نجحت فى تحويل هذه التيارات إلى تيارات إصلاحية اشتراكية أصبحت فى النهاية جزءاً من قواعد الديمقراطية. المؤسف فى التجربة المصرية أنها شهدت ثورة لم يعقبها أى إصلاحات تذكر، سواء كانت ثورية أو غير ثورية، والمقصود بالإصلاحات هنا ما عرف بالإصلاحات المؤسسية التى شهدتها كل تجارب التحول الديمقراطى فى العالم، والتى تتم فيها إعادة هيكلة المؤسسات العامة على أسس جديدة تختلف جذرياً عن تلك التى كانت موجودة فى العهد السابق، وعدم الاكتفاء بتغيير أشخاص أو إحداث بعض الرتوش الشكلية. إن نجاح أى تجربة تغيير فى العالم لا يقاس فقط بمدى ثورية الفعل السياسى، إنما بالمسار الذى ستتبعه هذه التجربة بعد الثورة أو الانتفاضة أو الإصلاح، فإذا نجحت فى بناء مؤسسات وقواعد جديدة تفكك بها أركان النظام القديم، فسيكون ذلك بداية النجاح، أما إذا بقيت محكومة بالقواعد والمؤسسات القديمة نفسها وغنّى الجميع بمن فيهم رجال النظام القديم للثورة المباركة، فإن الأمر سيعنى أننا «محلك سر»، ونضحك على أنفسنا بالغناء لثورة 25 يناير والاحتفاظ بالنظام الذى ثارت عليه. نقلا عن المصرى اليوم