يتوافد ما يقرب من 3 آلاف يهودي، في مثل هذا اليوم (1 مايو) من كل عام، إلى تونس لآداء فريضة الحج أو ما تُعرف ب طقوس "زيارة الغريبة"، وسط الآلاف من أهالي الدولة التي يبلغ أغلب سكانها من المسلمين السنة، في مشهد معبر عن تسامح الإسلام وتقبله طقوس الأديان الأخرى. جربة.. "جزيرة المساجد والأحلام" كما يسميها التونسيون، تستقبل اليهود من حجيج كنيس الغريبة، اعتبارا من اليوم الجمعة (الأول من مايو)، في احتفال سنوي يعكس تسامح المنطقة وتنوعها الثقافي والحضاري. جزيرة الأحلام، التي استمدت تسميتها من كونها الوجهة الأولى للسياحة في البلاد، بما تتميز به من سحر وجمال طبيعتها ومناخها، وامتدادها على أكثر من 100 كلم من الشريط الساحلي، زاد من جمالها ذلك الدفء وحرارة الاستقبال التي ستجدها من أهلها للزائرين. تقع جربة، جنوب شرقي تونس، وتتبع محافظة مدنين، وتبعد نحو 150 كلم عن الحدود مع ليبيا، مساحتها قرابة 500 كلم 2، ويناهز عدد سكانها 160 ألف نسمة. ويبلغ عدد الزائرين للجزيرة سنويا ما بين 1.8 و 2 مليون زائر (بين سياح أجانب و تونسيين)، بينما يزورها في موسم الغريبة فقط ما بين 1500 و ألفي يهودي، وهذا هو متوسط الزائرين سنويا خلال هذا الموسم، منذ ثورة 14 يناير 2011 التي أطاحت بنظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، فيما كان العدد قبل ذلك يبلغ نحو 7 آلاف يهودي. ولكي تدخل الجزيرة هنالك منفذان؛ الأول: من جهة منطقة آجيم، التي تبعد 20 كلم عن مركز الجزيرة، عبر البطاحات (العبارات) القادمة من الجرف التي تتبع نفس محافظة مدنين، والثاني عبر "الطريق الرومانية" من جهة جرجيس، وهي الجهة الشرقية للجزيرة. يطلق على جربة أيضا "جزيرة المساجد"، لاحتوائها على 366 مسجدا، بعدد أيام السنة، ومعظمها يتميز بالبساطة وصغر المساحة، فقديما كانت الغاية من بناء هذه المساجد هي فقط أن يجد المسلم مكانا للصلاة. وبقدر ما تعرف الجزيرة بمساجدها، تعرف كذلك ب"معبد الغريبة"، ذلك الكنيس اليهودي الأكبر والأقدم في أفريقيا حيث يعود تاريخه إلى قرابة 2600 سنة، وهو الكنيس ذاته الذي يزوره يهود من أنحاء العالم كل عام لأداء طقوس "زيارة الغريبة"، أو ما يعرف ب"حج اليهود". أنشأ كنيس الغريبة قبل نحو 2600 سنة، وتقول الروايات التاريخية إن إمراة يهودية قدمت الى جربة واستقر بها الحال في مكان كنيس الغريبة الآن وعرفت هذه المرأة بالكرامات فأقيم لها هذا المقام عند الممات، كما سمي الكنيس "الغريبة " نسبة لهذه المرأة التي كانت غريبة على سكان الجزيرة وقتها. ورغم هذه الرواية إلا أن سمير بالحاج، أستاذ التاريخ بمعهد منطقة بني معقل بجزيرة جربة، قال إنه "لا توجد رواية صحيحة إلى الآن حول هوية من أنشأ كنيس الغريبة". ويتكون الكنيس من بنايتين كبيرتين الأولى خاصة بالعبادات (مكان الصلاة لليهود) ويغلب عليه اللون الأبيض والازرق، ويوجد بداخله بيت للصلاة وهو المكان الذي تؤدى فيه أهم طقوس حج الغريبة، اما البناية الثاني فتستعمل خاصة لإقامة الاحتفالات بالأهازيج والموسيقى التونسية وتوزيع الأكلات التونسية في أيام زيارة اليهود. وعلى مدى يومين يقوم اليهود بأداء طقوس حجهم، ومن أبرزها "الخرجة بالمنارة"، وهي خروج جماعي لليهود من المعبد حيث يدفعون عربة فوقها منارة (مصباح تقليدي كبير) مزيّنة ويطوفون في الحيّ المجاور له، ويقرأون كتبهم المقدسة، وترفع الأهازيج والأناشيد، إضافة إلى عادات أخرى من بينها إقامة احتفالات بالموسيقى التونسية التقليدية تجمع أثناءها التبرّعات للمعبد. وتفتح الجزيرة ذراعيها لاستقبال زوار الغريبة هذا العام ابتداء من اليوم، الأول من مايو، وسيكون يوما 6 و7 من الشهر الجاري هي أيام أداء طقوس موسم الحج الكبرى لليهود. وتعتبر الجزيرة من بين الأماكن القليلة التي يجتمع فيها الاختلاف والتعايش معا بين كل صنوف المجتمع، حيث يجد زائر جربة التنوع بين الديانة والعرق وحتى في مستوى المذاهب الإسلامية، حيث مازال المذهب الإباضي هو الأكثر اتباعا بين سكان الجزيرة رغم أن معظم سكان تونس ينتمون إلى المذهب المالكي. والإباضية هي أحد المذاهب الإسلامية المنفصلة عن السنة والشيعة، نسبة إلى عبد الله بن إباض التميمي، وتنتشر في سلطنة عُمان وشمال أفريقيا، بينما المذهب المالكي هو أحد المذاهب الإسلامية السنية الأربعة، والذي يعتبره السلفيون أصلا من أصولهم الفقية، وينسب لصاحبه الإمام مالك بن أنس على. ويرجع البعض التعايش الموجود في جزيرة جربة إلى عدة عوامل من أهمها العامل الجغرافي، إضافة إلى مرور معظم الحضارات على الجزيرة، مرورا بالإغريق إلى الرومان إلى الفتح الإسلامي إلى الصراع الإسباني. ومرت بجربة العديد من الحضارات و دخل الإسلام الى جربة في سنة 47 هجرية على يد الصحابي رويفع ابن ثابت الانصاري. وتركت الحضارات التي مرت على الجزيرة مجموعة من المعالم التاريخية الموجودة إلى الآن في الجزيرة، ومنها المساجد تحت الأرض، التي أنشأها المسلمون، للدفاع ضد الخطر القادم من البحر (الغزو الإسباني)، كما يوجد بجربة أبراج عديدة ومنها برج "الغازي مصطفى" الذي يعود تاريخه الى سنة 1560ميلادية، كما أنجز الرومان طريقا في البحر يمتد بطول كلم تربط الجزيرة بمدينة جرجيس ( الجهة الشرقية للجزيرة).